Page 256 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 256

‫العـدد ‪33‬‬                         ‫‪254‬‬

                                      ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬

      ‫نجح الملك مينا في أن ُيؤلف‬           ‫تجسدت فيه أعمال (نارمر)‬           ‫عرفها الباحثون باسم (مملكة‬
      ‫حوله قلوب أمراء مقاطعات‬          ‫و(عحا)‪ ،‬واعتقد آخرون أنه اسم‬          ‫الجنوب)‪ ،‬واتخذت من مدينة‬
     ‫مصر الجنوبية‪ ،‬بعد أن ساد‬          ‫العرش الخاص بنفس الملك الذي‬          ‫(نخن)‪ ،‬البصيلية الحالية قرب‬
 ‫بينهم الوئام وأحاط بهم السلام‪،‬‬       ‫حمل الاسمان م ًعا‪ ،‬وأن مينا رمز‬         ‫مدينة إدفو بمحافظة أسوان‪،‬‬
‫ومضت إلى غير رجعة تلك الفترة‬                                                ‫عاصمة لها‪ ،‬وكان ملكها يزين‬
 ‫العصيبة التي قضوها في حروب‬              ‫لمنصة التتويج ومقعد العرش‪،‬‬           ‫رأسه بتاج أبيض‪ .‬وقد أطلق‬
   ‫ومشاحنات‪ ،‬فألف بين قلوبهم‬             ‫أما رأي الأغلبية فيذهب إلى أنه‬
 ‫وأصبح أهل الجنوب أمة واحدة‪،‬‬                                                    ‫المؤرخون على ملوك هاتين‬
‫فجعلوه مل ًكا عليهم‪ ،‬ووضعوا على‬            ‫لا يوجد سوى فرعون واحد‬        ‫المملكتين (أتباع حور) أو أنصاف‬
  ‫رأسه تاج الوجه القبلي الأبيض‪،‬‬       ‫مؤسس للأسرة الأولى‪ ،‬وهو الملك‬
  ‫الذي يشبه الخوذة الأسطوانية‬                                              ‫الآلهة‪ .‬وهكذا كانت الحكومة في‬
  ‫البيضاء‪ ،‬التي تضيق عند قمتها‬          ‫(نارمر) وأن الاسمين الأخيرين‬        ‫مصر ضرورة من ضروريات‬
‫لتنتهي بانتفاخ كروي‪ .‬ثم منحوه‬              ‫(مينا) و(عحا) صفتان علقتا‬        ‫الحياة الأولى‪ ،‬فرضتها ظروف‬
‫الاسم الملكي (نارمر) الذي أصبح‬                                              ‫الحياة في وادي النيل‪ ،‬وجعلتها‬
   ‫عل ًما عليه‪ ،‬وبدأ يفكر جاه ًدا في‬   ‫به‪ ،‬وتعني كلمة (عحا) المحارب‪،‬‬     ‫حاجة ماسة للسكان منذ أن انبثق‬
 ‫العمل على استكمال وحدة البلاد‬           ‫اعتزا ًزا بجهوده الحربية‪ ،‬وأما‬  ‫فجر الحياة الزراعية المستقرة على‬
  ‫بضم إقليم الدلتا الشمالي إليها؛‬        ‫(مينا) فتعني المثبت إشارة إلى‬    ‫ضفتي النهر‪ ،‬وفي دلتا النيل منذ‬
 ‫حتى تصبح دولة واحدة عظيمة‬               ‫تثبيت أركان دولته‪ ،‬وقد تعني‬
                                        ‫الراعي أو الدائم‪ ،‬وعلى هذا فقد‬                     ‫آلاف السنين‪.‬‬
         ‫الشأن مرهوبة الجانب‪.‬‬               ‫رجح المؤرخون أن الأسماء‬        ‫وقامت أول وحدة في مصر عام‬
   ‫ورغم ما غرسه الاستقرار على‬            ‫الثلاثة أسماء لملك واحد‪ ،‬اسمه‬      ‫‪ 4241‬قبل الميلاد‪ ،‬على يد أبناء‬
‫ضفاف النيل من التسامح والحب‬               ‫(نارمر) وكنيتيه عحا‪ ،‬ومينا‪.‬‬
 ‫والسلام في نفوس المصريين إلا‬                ‫و ُيذكر اسم مينا في بعض‬         ‫مملكة الدلتا‪ ،‬عندما نجحوا في‬
   ‫أن إمارات ومقاطعات الصعيد‬            ‫الكتابات المصرية القديمة باسم‬         ‫فرض سلطانهم على الصعيد‬
   ‫كانت متشاحنة‪ ،‬متنافرة‪ ،‬يأكل‬                                                ‫لفترة ما‪ ،‬متخذين من مدينة‬
                                      ‫(ميني)‪ ،‬ومن ثم حرف المصريون‬        ‫(أيونو)‪ ،‬عين شمس الحالية‪ ،‬التي‬
    ‫الكبير منها الصغير‪ ،‬ويستبد‬            ‫الاسم إلى (مينا)‪ ،‬وهو موحد‬        ‫تتوسط بين نهاية الدلتا ونهاية‬
   ‫القوي بالضعيف‪ ،‬فأصلح مينا‬                ‫القطرين‪ ،‬ومؤسس الأسرة‬            ‫الصعيد‪ ،‬عاصمة لمصر‪ ،‬حيث‬
                                           ‫المصرية الأولى‪ ،‬التي حكمت‬       ‫تكونت أول حكومة مركزية‪ .‬ثم‬
     ‫ما بينهم‪ ،‬وألف بين قلوبهم‪،‬‬           ‫مصر من مدينة (منف)‪ ،‬التي‬           ‫انقسمت البلاد مرة أخرى إلى‬
  ‫وأصبحوا أمة واحدة‪ ،‬فلا عجب‬             ‫كانت تضم بين أسوارها معبد‬       ‫مملكتين‪ ،‬عندما ثار الصعيد وكتب‬
 ‫بعد ذلك أن جعلوه زعي ًما عليهم‪،‬‬         ‫للإله (بتاح) إله الأسرة الأولى‬      ‫له النصر على الدلتا‪ ،‬متعصبًا‬
 ‫ومل ًكا على أقاليم الصعيد جمي ًعا‪،‬‬
   ‫فاتخذ من نبات اللوتس شعا ًرا‬         ‫الفرعونية‪ .‬وتعني كلمة (ميني)‬                      ‫لمعبوده (ست)‪.‬‬
 ‫له‪ ،‬ولقب بصاحب نبات (سوت)‬            ‫باللغة المصرية القديمة «يؤسس»‪،‬‬
‫البوص الذي اتخذ رم ًزا للجنوب‪.‬‬        ‫أو «يشيد»‪ ،‬فكأن المصريين أرادوا‬           ‫مينا ونارمر‬
  ‫في الوقت الذي كانت تسود فيه‬
  ‫أقاليم الدلتا هي الأخرى الفرقة‬             ‫أن يعظموا عمله في اسمه‪.‬‬           ‫دار جدل بين علماء التاريخ‬
  ‫بين أهل البلد الواحد‪ ،‬وأمراؤها‬                                               ‫والآثار حول شخصية الملك‬
   ‫يتشاحنون ويتقاتلون في السر‬              ‫توحيد القطرين‬                     ‫مينا هذا‪ ،‬وهل هو (نارمر) أم‬
 ‫والعلن للاستئثار بالسلطة‪ ،‬وقد‬                                            ‫(عحا) أم أنه الملك العقرب؟ فزعم‬
  ‫ادعى الزعامة عليهم أمير منهم‬        ‫لا أحد يعرف علي وجه الدقة كيف‬         ‫فريق من الباحثين أن مينا هو‬
                                       ‫بدأ الصراع بين مملكتي الشمال‬         ‫العقرب‪ ،‬وزعم آخرون أن مينا‬
                                        ‫والجنوب‪ ،‬ولا كيف استمر هذا‬          ‫كان شخصية أسطورية مركبة‬
                                        ‫الصراع‪ .‬لكن من المرجح أنه في‬
                                          ‫عام ‪ 3200‬قبل ميلاد المسيح‬
   251   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261