Page 270 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 270

‫التي تواجه الإنسان نفسه‪،‬‬                                         ‫العـدد ‪33‬‬                          ‫‪268‬‬
 ‫يستوجب تغيير ما ُيعت َبر ذا قيمة‬
                                                                                     ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬     ‫ثال ًثا‪ :‬لس َت شخ ًصا‬
     ‫وبه ُيقاس النّجاح أو الفشل؛‬                                                                       ‫خا ًّصا متم ِّي ًزا‬
   ‫فأداة القياس أو معيار القياس‬                 ‫كانوا يف ّكرون في إنماء أنفسهم‬
                                             ‫وتطويرها‪ ،‬وهو فكر ض ّد ال ّشعور‬                        ‫تصير الأنانيّة قاتلة‪ ،‬إذ التّح ّدث‬
      ‫هو ال ّشيء الأه ّم‪ ،‬إذ « ُت َح ِّد ُد‬                                                           ‫عن النّفس وإعطائها مكانة لا‬
    ‫ق َيمنا المقاييس التي نقيس بها‬              ‫ال ّسابق ذكره للأنانيّة وال َع َظ َمة‬
‫أنفسنا‪ ،‬والتي نقيس بها الآخرين‬                                       ‫ال ّزائدة‪.‬‬                    ‫تستح ّقها‪ ،‬طريق متع ّرج سرعان‬
                                                                                                   ‫ما ينكشف عيبه وتظهر حقيقته؛‬
                      ‫أي ًضا»(‪.)14‬‬              ‫راب ًعا‪ :‬قيمة المعاناة‬                            ‫الأنانيّة التي تعيش على طموحات‬
 ‫بينما توجد ِق َيم تخلق مشكلات‪:‬‬                                                                   ‫الآخرين‪ ،‬وال ّسيطرة عليهم بشكل‬
                                               ‫ليس ك ّل شيء ِمن ُصنع الحياة‪،‬‬                      ‫أو بآخر لن تدوم‪ ،‬والأسوأ إيمان‬
     ‫كمشكلة ِقيمة المُتعة‪ ،‬مث ًل في‬             ‫بل صنع أيدينا أي ًضا‪ ،‬فالمعاناة‬
     ‫الإدمان والأكل‪ ،‬بحيث المتعة‬               ‫لا ب ّد منها‪ ،‬والألم لا مهرب منه‪،‬‬                     ‫تلك الأنانيّة بهذا اللّغو الفارغ‪.‬‬
   ‫تكون سهلة الوصول وسريعة‬                    ‫َف ِ َل ِّي درجة يمكننا التّح ّمل؟ افعل‬                 ‫من هذا القبيل‪ ،‬فتقدير ال ّذات‬
                                                 ‫أ ّي شيء تؤمن به‪ ،‬ولو كانت‬                            ‫المف ِرط ق ّمة الأنانية‪« ،‬فالأنا»‬
        ‫الاندثار‪ ،‬إذ ال ّسعادة نتاج‬             ‫أغلب القرائن تد ّل على صعوبة‬                       ‫َتستمتِع بمديح النّفس‪ ،‬وإقناعها‬
  ‫المتعة‪ ،‬ولا تخلق المتعة ال ّسعادة؛‬           ‫إنجازه‪ ،‬ستكون سعي ًدا حت ًما إذا‬                      ‫بما تسمعه و ُيقال لها‪ ،‬فيصير‬
‫وكمشكلة ِقيمة النّجاح الما ّدي التي‬             ‫أمضي َت حياتك في فعل ما تريد‬                       ‫مثل هؤلاء الأشخاص «معتادين‬
   ‫ُتح ّدد قيمة الإنسان باعتبار ما‬           ‫وتختار‪ ،‬حتّى وإن اختر َت معاناة‪،‬‬                     ‫على أن تكون لديهم مشاعر طيّبة‬
  ‫َي ْملِك‪ ،‬وليس في كيفيّة الحصول‬            ‫فستكون لها قيمة لأ ّنها من رغبتك‬                      ‫ا ّتجاه أنفسهم إلى ح ّد يسمح لهم‬
 ‫على الأموال والمحافظة عليها؛ ث ّم‬                                                                  ‫بخداع أنفسهم وجعلها تص ّدق‬
                                                    ‫وانتقائك‪ ،‬وتعني لك شيئًا‪.‬‬                     ‫أ ّنهم ينجزون أشياء عظيمة‪ ،‬حتّى‬
                                              ‫في حين أ ّن إدراك ال ّذات‪ ،‬وإدراك‬                     ‫عندما لا ينجزون شيئًا»(‪ ،)12‬إلى‬
                                                                                                     ‫ح ّد يمكن القول‪ :‬إ ّنها نرجسيّة‬
                                                 ‫ما ستعاني لأجله مه ّم ج ًّدا في‬                      ‫َم َر ِضيّة‪ ،‬بحيث إذا حدث لهذا‬
                                                 ‫الحياة‪ ،‬وإن سيجعلك تقاسي‬                           ‫النّوع شيء ممتاز‪ ،‬فإ ّنه متر ّتب‬
                                                ‫آلا ًما فظيعة‪ ،‬إ ّل أ ّنك في النّهاية‬                 ‫عن إنجاز مذهل ح ّققوه‪ ،‬وإذا‬
                                                 ‫ستعرف قيمة معاناتك عندما‬                           ‫صار لهم شيء رديء فال ّسبب‪،‬‬
                                                  ‫ُتح ِّق ُق شيئًا م ّما تصبو له؛ إذ‬                  ‫بحسبهم‪ ،‬شخص يغار منهم‬
                                             ‫يشبِّه الكاتب إدراك ال ّذات بصورة‬                      ‫يحاول الاستخفاف من شأنهم؛‬
                                                  ‫قريبة لـ»نيتشه»‪ ،‬في تحطيم‬                            ‫فتقدير ال ّذات الحقيق ّي يأتي‬
                                                 ‫قشور الجسم لِيتك َّشف اللّب‪،‬‬                       ‫من تقييم الأعمال ال ِّسلبيّة دون‬
                                              ‫ولكن َك َب َصلة ُتزيل قشورها‪ ،‬عند‬                      ‫الاختباء وراء نجاحات وهميّة‪.‬‬
                                             ‫ك ّل م ّرة تذرف دمو ًعا تزيد ح ّدتها‬                    ‫وعليه‪ ،‬لا توجد مشاكل بدون‬
                                               ‫كلّما واصل َت النّزع‪ ،‬فيقول‪« :‬إن‬
                                               ‫الاستجواب ال ّصادق للنّفس أمر‬                              ‫ح ّل‪ ،‬وإذا ف َّك َر ال ّشخص‪،‬‬
                                                ‫صعب‪ .‬وهو يستلزم أن تطرح‬                            ‫واستسا َغ الفكرة َش ُع َر بالتّعاسة‬
                                                                                                   ‫والعجز قط ًعا‪ ،‬ولمواجهة المشاكل‬
                                                   ‫على نفسك أسئلة لا تريحك‬                         ‫لا يجب أن تكون استثنائيًّا حتّى‬
                                              ‫الإجابة عليها‪ .‬وبحسب تجربتي‪،‬‬                        ‫تفعل‪ ،‬بل العكس تما ًما‪ ،‬فالذين لم‬
                                                                                                    ‫ينساقون وراء التّف ّرد كانوا ِمن‬
                                                     ‫فإ ّن احتمال أن تكون تلك‬                     ‫أنجح النّاس‪ ،‬لا لشيء سوى أ ّنهم‬
                                               ‫الإجابات حقيقيّة صادقة‪ ،‬يزداد‬
                                                ‫كلّما كانت الأسئلة غير مريحة‬

                                                              ‫لأصحابها»(‪.)13‬‬
                                               ‫َب ْيد أ ّن تغيير النّظرة للمشكلات‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275