Page 40 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 40

‫مشكلتها أنها تبدو مطروحة على‬                              ‫يقرأ الكتاب وضع الجامعات‬
‫المتلقي جاهزة وغير مصحوبة بكل‬                      ‫والأكاديميات‪ ،‬ويقرأ كذلك المشهد‬

  ‫ما يمكن أن يدعمها من المبررات‬

 ‫أو شواهد التحليل‪ ،‬ومن أمثلتها‬        ‫الاقتصادي وأثره على الجوانب الثقافية‪،‬‬
‫وأقد أعجبني مث ًل تفسير الكتاب‬              ‫وهو أمر مهم لإدراك هذا التداخل‬
‫لتوظيف المكون السردي في شعر‬

‫سونيا الفرجاني وكيف أصبح‬                           ‫والبينية وانفتاح الحدود بين جوانب‬

‫السرد والحس الدرامي المتصاعد‬                       ‫الحياة المختلفة‪ ،‬فنجده يقف مثًل عند‬
  ‫منبتًّا ومنب ًعا للشعرية ومحر ًكا‬
‫لكافة ميكانيزمات الأداء الشعري في‬
                                                   ‫شركة أرامكو السعودية ودورها في‬
‫القصيدة‪ ،‬وهي أحكام دقيقة وفيها‬
 ‫تناول جيد‪ ،‬لكنها تبدو غير وافية‬                   ‫المجتمع المعرفي العربي وأوضاعه‬

‫في تتبعها داخل النصوص وفي قدر‬         ‫المتردية‪ ،‬وكيف استوعبت الشركة هذه‬

‫المحايثة اللغوية والتكوينية لها داخل‬               ‫الفجوة وحاولت تضييقها‬
‫الفضاء الشعري وتتبعها في مسارات‬

‫تشكيلها في القصيدة‪.‬‬

‫وفي مقاربته لسؤال‪ :‬هل لليسار‬

‫مستقبل في عالمنا العربي‪ ،‬يطرح‬                       ‫المتلقي الذي يكون شري ًكا في المقاربة النقدية‬
                                                   ‫ومحاولة الاستمتاع بهذه النصوص‪ ،‬ومسألة‬
  ‫تصو ًرا جدي ًرا بالاهتمام ناب ًعا من وعي معرفي‬
‫كبير بالممارسة الأيديولوجية والسياسية لليسار‬

‫وبواقعه وأزماته وإشكاليته‪ ،‬وربطها بالسياق‬          ‫الحماس للنصوص المختارة ليست عيبًا كما‬

‫المعرفي الراهن للعرب أو للعالم كله‪ ،‬والحقيقة‬       ‫قد يتصور البعض‪ ،‬بل هي على الأرجح مصدر‬

‫لتحويل الكتابة النقدية إلى كتابة منفعلة وجامحة أنه في مثل هذه المقاربات الفكرية يصبح الكاتب‬

‫صاحب لغة متدفقة وكتابة مختلفة في طموحها‬            ‫وأدبية ومشحونة بطاقات شعورية وشعرية‬

‫واستقرارها واتساقها‪ ،‬وتوازنها‪ ،‬أو بالأحرى عدم‬      ‫وقدراته تعبيرية أكبر‪ ،‬وفي النهاية فإنه لا يمكن‬

‫جموحها أو انفعالها السلبي‪ ،‬بل تبدو موضوعية‬         ‫أن يكون هناك غياب تام للانحياز مهما كان‬

‫وذات تراكم كبير‪ ،‬ويتعامل بتجرد وموضوعية‬            ‫صاحب أي خطاب نقدي مدعيًا للموضوعية‬

  ‫ويدرسها في إطار كل ما يحيط بها من المكونات‬       ‫ومدعيًا للتخلي عن الانحياز‪ ،‬بل إن الفعل النقدي‬
‫الأخرى‪ ،‬فيبدو قار ًئا ومتأم ًل بعناية لسياق كامل‪.‬‬     ‫من أساسه هو فعل انحياز‪ ،‬وقد يكون غياب‬

‫والحقيقة هو كتاب مهم على أكثر من مستوى‬             ‫الانحياز إن حدث عيبًا في الكتابة‪ ،‬أو يجعلنا‬

‫أمام ممارسة نقدية يشوبها الخلل‪ ،‬لكن ما يمكن وفيه عدد بارز من الأسئلة والموضوعات المهمة‬

‫التي تبقى كلها متمحورة حول فكرة الكتابة‬            ‫أن نأخذه بموضوعية على هذه النقطة في قراءة‬

‫بمفهومها الواسع عن التدوين والتفكير والمعرفة‬       ‫بعض النصوص الشعرية هو الاسترسال في‬

‫والإبداع الأدبي وعلاقتها بالزمن وهذا الجدل‬         ‫إطلاق الأحكام القيمية العامة أو المرسلة‪ ،‬أي‬

‫أحكام التقييم والاحتفاء الجمالي المطلق التي تبدو الممتد والأبدي الذي سيظل راس ًخا‪ ،‬ومن أبدية‬
‫ورسوخ هذين المحورين أتصور أن هذا الكتاب‬            ‫أقرب إلى التغني بجماليات قد لا تستعرضها‬
‫يكتسب مقومات تجدده وأهميته‪ ،‬فض ًل عن كثير‬
                                                   ‫القراءة النقدية عبر اقتحام النص وتفكيك آلياته‬

‫من سمات ممارسته النقدية التي أشرنا لبعضها‬          ‫وسيرورة التشكيل والتكوين وإنتاج الدلالة‬

‫فقط ولا يتسع المقام لتناولها كلها‬                  ‫فيه‪ ،‬هي أحكام ليست غير دقيقة في الغالب‪ ،‬لكن‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45