Page 43 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 43
41 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
-2التعبير عن أيديولوجية المؤلف بالطابع التعددي الملموس الملازم لكل لغة ،ومدى
ورؤيته للعالم تأثير ذلك في تحقيق التشخيص اللغوي للنص الأدبي.
أ -الأيديولوجية في الرواية: -2اهتمام الروائيين والنقاد بالجوانب التخييلية
يعتبر باختين الدليل اللغوي محمل بشحنة في التراث العربي الإسلامي وفي الأدب الشعبي
أيديولوجية( ،)9لا تعكس الصراع الاجتماعي
السائد ،وإنما تجسده وتدخل في سياقه ،وباعتبار والمحكيات الشفوية بحثًا عن تجديد للأشكال
أن الرواية هي نظام من الدلائل ،فإن باختين كان واستثمار بعض مكونات المتخيل الجماعي(.)7
مدفو ًعا إلى القول باقتحام الأيديولوجيا لعالمها المعقد، كل هذا وغيره أدى إلى إقبال الروائيين العرب بشكل
ذلك أن الروائي في نظره لا يتكلم لغة واحدة ،كما مكثف على الرواية المتعددة اللغات والأصوات بعي ًدا
أن أسلوبه ليس هو لغة الرواية ذاتها لأن الرواية عن الأحادية اللغوية باعتماد أنماط مختلفة من اللغات
في الواقع متعددة الأساليب ،فكل شخصية ُتمثَّ ُل في المتعددة (لغة شعرية ،لغة عامية ،لغة أجنبية )..مع
الرواية إلا ولها صوتها الخاص ولغتها الخاصة، اللغة العربية الفصحى ،ويعدد الأستاذ محمد برادة
وأخي ًرا أيديولوجيتها الخاصة( ، )10بمعنى أن في كتابه «الرواية ذاكرة مفتوحة» أربعة أنماط من لغة
اللغة علاوة على أنها أنساق مركبة وفي الوقت كتابة الرواية العربية ،نعرضها على الشكل التالي:
نفسه أيديولوجيا ،باعتبار أن هذه الأخيرة ما هي -1لغة فصحى ُت َزا ِو ُج بين مستويين ،أحدهما يمتح
إلا لغة وممارسة كلامية للوعي الفردي ،تتصادم من قاموس تراثي ،والآخر يعتمد تركيب ال ُجملة
في ساحتها أفكار عدة تسمح بتطورها المستمر كل الحديث ،المتَّسم بالمرونة والتخفف من قيود البلاغة
حسب وضعياته الاجتماعية والطبقية للفئات وتعبي ًرا
العربية المسكوكة.
عن رؤاهم الفكرية. -2لغة فصحى إلا أنها تستعير كلمات أجنبية بلفظها
يقول باختين في كتابه «الماركسية وفلسفة اللغة»:
«الكلمة ُمحملة دائ ًما بمضمون أو بمعنى أيديولوجي أو محورة إلى صيغة دارجة ،خاصة عندما يتعلق
الأمر بأسماء الآلات والأدوات الإلكترونية والمخترعات
أو حدثي .إن الكلمة الطاهرة والمكتفية بطهرها
الذاتي لا وجود لها ،ذلك أنها في استعمالها اليومي التكنولوجية المتناسلة.
لا تنفصل عن مضمون أيديولوجي محايث لها ،بل -3لغة فصحى ،مرنة ذات تركيبات ُج َملِيَّة حديثة
إنها لا تحقق استعمالها إلا بفضل الأيديولوجية التي ومستويات قاموسية متّسعة ،تعتمد التوليد والترجمة
تلازمها .ولذلك فإن الفصل بين الكلمة وحمولتها الضمنية لتعابير أجنبية ضمن مقصد يتوخى تحقيق
ن ْث ِر َّية الرواية مع الحرص على جمالية لغوية تتباين
الأيديولوجية يلغي دلالة الكلمة ،لتغدو إشارة
مجردة ،بعد أن كانت إشارة لغوية ،أي أنه يكتفي وتتفاوت حسب مواهب الكتاب وقدراتهم.
بالكلمة في ذاتها ويعرض عن المتحدثين بها ،كما لو -4إلى جانب ذلك ،نجد روايات قليلة اختارت اللغة
كان بإمكان اللغة أن توجد بمعزل عن المتحدثين
العامية المصرية سر ًدا وحوا ًرا .صحيح أن لهذه
بها»(.)11 العامية قرابة بالفصحى ،إلا أنها ذات تركيب ُج َم ِل
إن هذا القول يبرز لنا العلاقة المتينة بين اللغة
مغاير وتمتح من قاموس اللغة اليومية والأمثال
والأيديولوجية ،ففي اللغة تتقاطع الحمولات والتعابير المألوفة في لغة الكلام(.)8
الأيديولوجية للكلمات ،وخلو الكلمة من فحواها
الأيديولوجي يعني تجريدها من دلالتها الرامزة وعليه ،يتبين أن احتواء الرواية لمجموعة من اللغات
للوعي الفردي داخل المجتمع ،لتغدو إشارة مجردة واللهجات والأصوات ،قد خلصها من نطاق الأحادية
بعد أن كانت إشارة لغوية ،لهذا السبب انتقد باختين
اللغوية والصوتية التي هيمنت لعقود من الزمن،
-وكما تمت الإشارة إلى ذلك سل ًفا -الألسنية إلى الرواية المتعددة اللغات والأصوات بحيث لم يعد
صوت المؤلف هو المهيمن والوحيد في النص الروائي،
وإنما أصبح مجرد صوت من بين أصوات أخرى في
الرواية.