Page 47 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 47

‫‪45‬‬              ‫إبداع ومبدعون‬

                ‫رؤى نقدية‬

                                                                ‫كلمة رائعة ونموذجية وملموسة‬

                                                                   ‫ومتميزة‪ .‬وحيثما ُوجد في‬
                                                                ‫قرينة الكلام الخاصة بالمؤلف‬

                                                                ‫كلام مباشر‪ ،‬ولنقل لأحد‬

                                                                ‫الأبطال‪ ،‬وجدنا أمامنا في‬

                                                                ‫حدود قرينة كلام واحدة‬

                                                                ‫مركزين اثنين‪ ،‬ووحدتين‬

                                                                ‫كلاميتين اثنتين‪ :‬وحدة تعبير‬

                                                                ‫المؤلف‪ ،‬ووحدة تعبير البطل‪،‬‬

                                                                ‫ولكن الوحدة الثانية ليست‬

                                                                ‫مستقلة‪ ،‬بل هي تابعة للأولى‬

                                                                ‫ومتضمنة فيها بوصفها‬

                                                                ‫مجرد لحظة من لحظات‪ ،‬إن‬

                                                                ‫كلمة البطل تعالج بوصفها‬

                                                                ‫مادة فهم المؤلف»(‪ ،)25‬وبالتالي‬

‫ميخائيل باختين‬  ‫محمد برادة‬     ‫فيودور دستويفسكي‬                 ‫ففي الكلمة الواحدة تتفاعل‬
                                                                 ‫نزعتان‪ :‬النزعة الاتجاهية‬

                                                                ‫لكلمة الشخصية المسموعة‪،‬‬
‫ثم النزعة الاتجاهية لكلمة المؤلف الحقيقي المتواري‪ ،‬صعيد الكاتب الذي يعبر عن نفسه بطريقة منكسرة‬
‫داخل ذلك المحكي ومن خلاله‪ ،‬والسارد نفسه وكل‬
‫ما هو مسرود يدخل سو َّي ًة داخل منظور الكاتب‪ ،‬إننا‬              ‫كما نلمس في السياق الروائي (مقاصد المؤلف مع‬

                                                                ‫مقاصد الشخصية)‪.‬‬

‫نخمن نبرات هذا الأخير‪ ،‬الموضوعة على موضوع‬                       ‫ج‪ -‬الكاتب المفترض‬

‫المحكي مثلما هي موضوعة على المحكي ذاته وعلى‬                     ‫يقول باختين بخصوص الكاتب المفترض‪« :‬إن‬
 ‫صورة السارد‪ ،‬تلك الصورة التي َت ْن َك ِشف بقدر‬
‫ما يتسع المحكي وينمو‪ .‬وعدم إدراك هذا المستوى‬                    ‫الكاتب والسارد المفترضين‪ ،‬يأخذان معنًى مغاي ًرا‬
‫الثاني للكاتب معناه عدم فهم أي شيء من العمل‬                     ‫تما ًما عندما ي ْدخ َل ِن إلى الرواية َك ُموجهين لمنظور‬
                                                                ‫لساني لرؤية خاصة للعالم والأحداث‪ ،‬ولتقييمات‬

                               ‫الروائي(‪.)27‬‬                     ‫وتبئيرات خاصة‪ ،‬سواء بالنسبة للكاتب ولخطابه‬

‫بالتالي‪ ،‬فإن صوت الكاتب المفترض وكلمته خليط‬                     ‫المباشر الحقيقي‪ ،‬أو بالنسبة للسرد وللغات الأدبية‬

                ‫يشاركهما فيه صوت وكلمة الكاتب الحقيقي‪،‬‬          ‫العادية»(‪.)26‬‬

                ‫وهذا ما يسميه «باختين» بالتعدد اللغوي الذي‬      ‫لكي يتسنى لكاتب الرواية تمرير كلمته إلى الرواية‬

‫يخلق الحوارية بين هذين الصوتين حين ينفعلان‬                      ‫يخلق كاتبًا مفتر ًضا ينوب عنه في عملية سرد‬
                                                                ‫الأحداث وتوجيهها والقيام بدوره في إعطاء الكلمة‬
‫ويمتزجان في كلمة واحدة‪ ،‬بفعل المسافة الجمالية‬
                                                                ‫للشخصيات والتعليق على أفعالها‪ ،‬وبالإضافة إلى‬
                ‫التي يبتعد بها الكاتب أو السارد المفترضين عن‬
                ‫ذلك‪ ،‬فهو يخدم كلمة المؤلف‪« ،‬فوراء محكي السارد الكاتب الحقيقي وعن منظوره الأدبي (العادي)‪.‬‬
                                                                  ‫نقرأ محكيًّا ثانيًا‪ :‬هو محكي الكاتب الذي يسرد‬
                                     ‫ح‪ -‬الأسلبة والباروديا‪:‬‬     ‫ما يحكيه السارد نفسه‪ ،‬والذي بالإضافة إلى ذلك‪،‬‬
                ‫ومن أبرز الظواهر الفنية التي يلجأ إليها المؤلف‬
                                                                ‫يرجع إلى السارد نفسه كل لحظة من المحكي تكون‬
                ‫للتعبير عن أفكاره وأهدافه‪ ،‬نجد أي ًضا الأسلبة‬
                                                                ‫مدركة بوضوح على صعيدين‪ :‬على صعيد السارد‪،‬‬
‫والباروديا والمحاكاة الساخرة‪ ،‬ففي هذه الظواهر‬
                                                                ‫وحسب منظوره الغيري الدلالي والتعبيري‪ ،‬ثم على‬
‫الأسلوبية المختلفة تتولد عنها الثنائية الصوتية داخل‬
   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52