Page 46 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 46
العـدد 33 44
سبتمبر ٢٠٢1
الاستقلالية؛ أن الشخصية تقع خارج خطة المؤلف، الأصلية إلى الرواية ،وجعلها تحيا حياة فنية
بل تعتبر جز ًءا من استراتيجية المؤلف التي تهيئ جديدة في عمله التخييلي ،بحيث تلتحم ببنية الرواية
الشخصية سل ًفا لمثل هذه الاستقلالية النسبية. وتتماهى فيها بطريقة فنية ،بعبارة أخرى ،إن هذه
لذلك فلا يمكن لعلاقة المبدع بشخصية الرواية أن الأجناس تنتقل من موطنها الأصلي لتهاجر إلى سياق
تكون علاقة تطابق كامل ،ذلك أن على المؤلف أن
يحافظ على هذه المسافة الجمالية التي من خلالها الرواية ُمتخذة أبعا ًدا أدبية وأيديولوجية جديدة
مرتبطة بالواقع الاجتماعي ومساهمة في الحوارية
تتحاور الشخصية مع المؤلف بقدر ما يتحاور المؤلف
معها ،كما تجعل الشخصيات ليست مجرد وسائط الكبرى للرواية ،وبهذا تكون الأجناس الدخيلة
ناقلة للمعلومات أو مجرد تحقيق لرغبات المؤلف، مشحونة بصوتين :الأول صوت المؤلف الذي نقل
بل تسمح لها في التعبير عن أفكاره ،والإفصاح عن الصوت الثاني (صوت النموذج الأولي الأصلي) وعبر
مشاعرها الوجدانية ،وكذا الدفاع عن معتقداتها عنه بأسلوب كلمته الخاصة فأحيى الكلمة الثانية في
بكل حرية ،فتعرض أطروحاتها الأيديولوجية التي
قد تكون مخالفة لأيديولوجية الكاتب ،ومتعارضة فضاء الرواية الحر والمفتوح.
معها بشكل كلي ،وتعد روايات «دوستويفسكي» وعلى هذا الأساس ،فإن الأجناس المدمجة في الرواية
نماذج تمثيلية لهذا النوع ،حيث يرى باختين بأنه ليست مجرد حشو في الرواية ،كما أنها ليست مجرد
«من الناحية الأيديولوجية يتمتع البطل باستقلاليته
ونفوذه المعنوي وينظر إليه بوصفه خال ًقا لمفهوم نقل تجريدي من طرف الروائي ،وإنما هي منقولة
ومشخصة بطريقة فنية من طرف الروائي حتى
أيديولوجي خاص وكامل القيمة لا بوصفه موضو ًعا تكسر من نواياه وحرفها ،أو تعبر عن مقاصده
لرؤيا دوستويفسكي الفنية المتكاملة»(.)23 وأهدافه.
ث -أقوال الشخصيات:
على هذا الأساس يجب أن يحافظ المؤلف في علاقته
مع الشخصية على البعد الفاصل بينهما ،وذلك تواجهنا في العمل الروائي أصوات عدة تقوم بعملية
الحكي ،فنخلص في الأخير بأسئلة جوهرية« ،من هو
من خلال تواريه وجعل الشخصية تتكلم بصوتها صاحب الحكي؟ ولصالح من تشتغل هذه الأصوات
لتخدم أهدافه لأنه بهذه الطريقة كما يقول باختين
داخل المتن الروائي؟ إن هذه التساؤلات تفضي بنا
ينشئ التحاور بينهما ،وهناك طرق عدة يقوم للقول إن القصة المكتوبة ،وإن لم تكن سيرة ذاتية،
بها المؤلف ليوظف كلمة الشخصية لأهدافه ،ومن هي قصة تخفي أفعال الكاتب وأخلاقه ورؤاه ،أو
أهمها ،كما يذكر باختين «عن طريق إدخال نزعة كأن الشخصية القصصية صورة لشخصية الكاتب،
اتجاهية جديدة إلى الكلمة التي سبق لها أن كونت هكذا يؤتى إلى دراسة العمل القصصي أو الروائي
لنفسها نزعتها الاتجاهية الخاصة بها ،وتعمل على
المحافظة عليها ،وفي هذه الحالة ،فإن مثل هذه الكلمة من خارجه :من الشخص الكاتب أو المؤلف إلى
يجب أن تحس بحكم وظيفتها بوصفها كلمة الغير، الشخصية -الرواية -وكأن من يكتب لا يروي عن
في الكلمة الواحدة يطالعنا اتجاهان دلاليان اثنان
الآخرين بل عن ذاته»(.)22
وصوتان»(.)24 ُتعتبر الشخوص الروائية من صنع المؤلف ،تشتغل
يقول ميخائيل باختين في شعرية دوستويفسكي: داخل الرواية لتحقيق أهدافه ،ذلك أن المؤلف يوهم
القارئ بإعطاء الكلمة للشخصية لتعبر عن نفسها،
«إن كلام الأبطال المباشر يعتبر الشكل الشائع بيد أنه في حقيقة الأمر إنما يعطي الكلمة لشخصية
والنموذجي أكثر من غيره ،إن لهذا الكلام دلالة لتعبر عن أهدافه (بشكل جزئي) ،من خلال صوتها
ملموسة ومباشرة ،ومع ذلك فهو لا يوجد على
مستوى واحد من كلام المؤلف ،بل تفصله عنه الذي نسمعه ،ويبقى هو ُمتواري خلفها ،وهذا ما
مسافة ما ،إنه لا ُيفهم من زاوية مادته الملموسة يحقق أي ًضا مسافة بعد بينهما ،تجعل الشخصية
فحسب ،بل إنه يعتبر نفسه مادة الاتجاه بوصفه تتمتع باستقلالية نسبية عن سلطة المؤلف ،وذلك
بفعل المسافة الجمالية التي يخلقها الروائي بينه
وبين شخوصه ولا تعني -بطبيعة الحال -هذه