Page 49 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 49

‫‪47‬‬            ‫إبداع ومبدعون‬

              ‫رؤى نقدية‬

‫حميد لحمداني‬  ‫إحسان عبد القدوس‬                              ‫مزدوجة الصوت‪ ،‬غير أن العلاقة المتبادلة بين‬
                                                         ‫الصوتين يمكنها أن تكون متنوعة‪ ،‬إن مجرد نقل‬
                       ‫والتهجين والباروديا»(‪.)35‬‬       ‫التأكيد الغيري بصيغة الاستفهام يؤدي إلى تصادم‬
  ‫وبالإضافة إلى هذا؛ إن الروائي يستعمل جملة من‬           ‫إدراكين اثنين داخل الكلمة الواحدة»(‪ .)33‬الصوت‬
‫المستويات اللغوية التي تناسب أوضاع الشخصيات‬             ‫الأول‪ :‬هو صوت المؤلف المتواري والصوت الثاني‬
‫الثقافية والاجتماعية والفكرية والأيديولوجية‪ ،‬بحيث‬         ‫صوت الكلمة الغيرية‪ ،‬وبالتالي فإن هذه الظواهر‬
‫إذا كان في الرواية فلاح أو تاجر أو مهندس‪ ،‬طبيب‪،‬‬         ‫الأسلوبية المختلفة تسهم في خلق الثنائية الصوتية‬

    ‫صوفي‪ ،‬أجنبي‪ ..‬فإن الكاتب يستعمل اللغة التي‬                     ‫ضمن الملفوظ الواحد والكلمة الواحدة‪.‬‬
 ‫تليق بكل هذه الشخصيات‪ ،‬لذلك «فتعدد الأصوات‬                 ‫يتبين من خلال ما تقدم‪ ،‬أن اللغة الروائية لها‬
                                                             ‫دور كبير في التعبير عن نوايا الكاتب ورؤيته‬
      ‫والمستويات اللغوية له دور كبير داخل النص‬               ‫للعالم‪ ،‬ولكنها ليست اللغة النسق ذات الطابع‬
  ‫الروائي لتجسيد اختلاف وجهات النظر وتعارض‬                ‫الألسني المجرد والبنية الثابتة التي كانت تحتفي‬
   ‫الشخصيات تجسي ًدا ملمو ًسا‪ ،‬وانطلا ًقا من اللغة‬        ‫بها الألسنية والبنيوية التقليدية التي تحدد اللغة‬
                                                             ‫الروائية بمستوى المعجم أو تصنيف الكلمات‬
       ‫الاجتماعية للشخصيات وما تمثله من أنماط‬             ‫على أسس مدلولاتها المباشرة‪ ،‬وإنما تعدد اللغات‬
                                    ‫الوعي»(‪.)36‬‬            ‫المحملة بالقصدية والوعي والمشبعة أيديولوجيًّا‬
                                                             ‫والمترابطة حوار ًّيا تراب ًطا يكشف خلفيات لغة‬
     ‫وعليه‪ ،‬فالتعدد اللغوي يعمل على «تطويع اللغة‬             ‫المتكلمين وعن القصدية الكامنة وراء كلامهم‬
      ‫للتعبير عن مختلف مظاهر الحياة وتفاصيلها‬            ‫وأفعالهم داخل النص الروائي‪ ،‬ويشخص كلامهم‬
    ‫وتهجينها تهجينًا ُمخصبًا‪ ..‬إلا أن اللغة الروائية‬  ‫تشخي ًصا أدبيًّا‪ ،‬كما «يسمح للكاتب الروائي التحدث‬
   ‫تستدعي اختيا ًرا واعيًا من الروائي حتى لا تكون‬     ‫عن نفسه في لغة الآخرين والتحدث عن الآخرين من‬
  ‫لغة استنساخ َأو مسايرة لـ( ُموضة) لغوية‪ .‬وهذه‬         ‫خلال لغته الخاصة به‪ ،‬ومن ثم فإن الروائي يلجأ‬
       ‫الملاحظة تقودنا إلى مسألة تحتاج إلى تحليل‪،‬‬       ‫إلى عدة وسائل لتكسير لغته وحرفها حتى لا تبدو‬
   ‫وهي مسألة علاقة اللغة الروائية بتحقيق (الفكرة‬      ‫مباشرة أو أحادية‪ .‬ومن ثم فالتعدد اللغوي والشكلي‬
    ‫الإستطيقية)‪ ،‬أي تلك الخصوصية الجمالية التي‬             ‫يحقق انكسار نوايا الكاتب‪ ،‬كما يتضمن ثنائية‬
      ‫تتيح للرواية أن ُتعبر عن تجربة لا ُيعبر عنها‬    ‫الصوت للنص الروائي»(‪ .)34‬ما يجعل الروائي وكأنه‬
                                                        ‫محايد في العمل الروائي من خلال مزج صوته مع‬

                                                                    ‫الأصوات المتعددة في النص الروائي‪.‬‬

                                                          ‫‪-3‬التعدد اللغوي‪ :‬مكون جمالي‬

                                                         ‫وإلى جانب الوظائف التي يقوم بها التعدد اللغوي‬
                                                       ‫والصوتي المتحقق في النصوص الروائية‪ ،‬وتخليص‬

                                                            ‫الرواية من نطاق الأحادية اللغوية والصوتية‪،‬‬
                                                         ‫والتعبير عن أيديولوجيا المؤلف ورؤيته للعالم من‬

                                                           ‫خلال العلاقة الحواية التي يقيمها مع الأصوات‬
                                                       ‫المتعددة في الرواية‪ ،‬فإن للتعدد اللغوي أي ًضا «أهمية‬
                                                       ‫كبرى في تشخيص الثيمات واستنطاق الشخصيات‬
                                                      ‫ورسم الأزمنة والفضاءات‪ ،‬من خلال تعدد الأصوات‬
                                                        ‫والمحكيات الفرعية وأنماط الحوار وطرائق الأسلبة‬
   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54