Page 48 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 48
العـدد 33 46
سبتمبر ٢٠٢1
كون اللغة المشخصة تحمل موق ًفا ساخ ًرا من اللغة الرواية من خلال تلك العلاقة المتبادلة المشحونة
موضوع الأسلبة ،عن طريق فضحها وتحطيمها، بالحوارية بين اللغات ،أو ما أصطلح على تسميتها
وذلك بخلاف تقليد الأساليب الذي يقوم على
توافق بين اللغة المؤسلبة ونوايا اللغة المؤسلبة. محمد برادة باللعب الهزلي مع اللغات.
يقول باختين« :هنا نجد المؤلف شأنه في تقليد ففي الأسلبة يقوم الوعي اللساني المعاصر
الأساليب يتحدث بواسطة كلمة الآخرين ،ولكنه للمؤسلِب (وعي المؤلف) بأسلبة المادة اللغوية
-بعكس ما يفعله في تقليد الأساليب -يدخل في الأجنبية عن العمل السردي (نص شعري ،نص
قرآني ،نص من ألف ليلة وليلة أو أية لغة تراثية
هذه الكلمة اتجا ًها دلاليًّا يتعارض تما ًما مع النزعة أخرى) ،فينقلها من نصها الأصلي إلى الرواية
الغيرية .إن الصوت الثاني الذي استقر في الكلمة حتى تعبر عن أهدافه في الرواية ،أي أنها تصبح
(لغة ُمحينة) وهي الصيغة التي قال عنها باختين:
الغيرية يتصادم هنا بضراوة مع سيد الدار الأصلي «فاللغة في هذا الملفوظ تحمل في أحشائها لغات
ويجبره على خدمة أهداف تتعارض مع الأهداف متوارية ،لكن علامات وجودها ظاهرة في صورة
الأصيلة تما ًما ،الكلمة تتحول إلى ساحة لصراع اللغة الم َّشخصة«( ،)28وقد يلجأ المؤلف أي ًضا إلى تقليد
الأساليب ،Stylisationأي أنه يحتفظ بكلام الغير
صوتين اثنين ،ولذلك ففي المحاكاة الساخرة يتعذر ويقوم بأسلبة مأربه نواياه فيضفي عليه نبرته
امتزاج الصوتين بينما يكون ذلك ممكنًا في تقليد الخاصة قد تتعارض دلالته مع القصدية السابقة أو
الأساليب»(.)31
تتوافق معها.
وهذا يعني أن المحاكاة الساخرة هي طريقة أسلوبية يقول ميخائيل باختين إن« :مأرب المؤلف يستثمر
قائمة على إيراد أساليب الآخرين ومحاكاتها سواء الكلمة الغيرية ويوجهها لتحقيق أهدافه الخاصة .إن
على مستوى التفكير أو الرأي أو الكلام بطريقة تقليد الأساليب ُيقلد أسلوب الغير ويوجهه لتحقيق
ساخرة قوامها التناقض والسخرية ،مما يؤدي إلى وظائفه الخاصة ،غير أنه –تقليد الأساليب -يجعل
حدوث تعارض مع نزعة هذا الكلام الغيري ،ما
يخلق تصاد ًما مع صاحب الكلام الأصلي ،فيجبره من هذه الوظائف ذات طبيعة نسبية ..إن فكرة
على خدمة أهداف تتعارض تما ًما مع الأهداف التي المؤلف إذ تتغلغل في كلمة الغير ،وتستقر داخلها لا
قصدها الكلام قبل المحاكاة ،ليصير الكلام يخدم تصل إلى حالة التصادم مع فكرة الغير ،إنها تقتفي
أهداف المؤلف الجديدة في العمل الروائي .وشبيه
«بكلمة المحاكاة الساخرة ،الكلمة الغيرية التهكمية أثرها في الاتجاه نفسه الذي تسير فيه ،غير أنها
وكل كلمة مستخدمة بدلالة مزدوجة ،ذلك أن في تضفي على هذا الاتجاه طاب ًعا نسبيًّا»(.)29
مثل هذه الحالات تستخدم الكلمة الغيرية من نقل
النزعات المعادية لها ،وفي كلام الحياة اليومية يكون أما الباروديا أو المحاكاة الساخرة فتنبني على تقليد
كلام الآخرين ،كما هو أو كما نطق به من مصدره
مثل هذا الاستخدام لكلمة الغير شائ ًعا ج ًّدا خصو ًصا الأساس دون تغييره ،استهزا ًء منه واستخفا ًفا به،
في الحوار ،حيث يكرر المحاور في حالات عديدة «إن كلمة المحاكاة الساخرة يمكن أن تكون متنوعة
حرفيًّا ما يؤكده المحاور الآخر مح ِّم ًل إياه قيمة
لدرجة كبيرة يمكن أن نحاكي محاكاة ساخرة،
جديدة ومفضيًا نبرة خاصة به :للتعبير عن الشك، طريقة نموذجية على المستوى الاجتماعي أو شخصية
الاستياء ،التهكم ،الاستهزاء والسخرية ..إلخ»(.)32
هكذا ،يتبين لنا من خلال هذه الأساليب ،كيف أن على المستوى الفردي ،طريقة في الرؤية ،في التفكير،
في الكلام ،بالإضافة إلى ذلك فإن المحاكاة الساخرة
الكاتب يوظف الكلمة الغيرية ليحقق أهدافه ،من تكون عميقة ،بهذه الدرجة أو تلك يمكن أن تقتصر
خلال السخرية والتهكم وتقليد الأساليب ،مما
يؤدي إلى خلق الثنائية الصوتية ،يقول باختين: المحاكاة الساخرة على الأشكال اللفظية السطحية،
«لا بد للكلمات الغيرية التي تدخل في كلامنا ،أن غير أن الممكن كذلك أن تغور هذه المحاكاة الساخرة
تحمل فهمنا الجديد وتقويمنا الجديد ،أي أن تصبح لتصل إلى المبادئ والأسس العميقة لكلمة الغير»(.)30
إن ما يميز المحاكاة الساخرة عن تقليد الأساليب