Page 44 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 44

‫العـدد ‪33‬‬   ‫‪42‬‬

                                                      ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬

     ‫يظهر لنا أن الأيديولوجيا في الرواية تلعب دو ًرا‬          ‫التقليدية لأنها كانت تدرس اللغة في الرواية‬
       ‫تشخيصيًّا مه ًّما ذا طبيعة جمالية في الرواية‪،‬‬   ‫باعتبارها بنية مجردة من الحمولات الأيديولوجية‪.‬‬

   ‫وتدخل إليها كمادة أولية لتشييد بنيتها باعتبارها‬         ‫على هذا الأساس‪ ،‬إن فهم البنية الأدبية للرواية‬
 ‫عنص ًرا تشكيليًّا فيها شأنها في ذلك شأن الشخوص‬         ‫رهين بالاعتماد على لغتها التي تستعمل اللغة أداة‬

          ‫والأحداث‪ ..‬من أجل توليد تصور شمولي‬               ‫لتجسيد الوعي الاجتماعي‪ ،‬ولما كانت اللغة هي‬
        ‫كلي هو تصور الكاتب‪ ،‬في حين تبقى الرواية‬        ‫الكاشف الحقيقي عن الأيديولوجيا فقد أكد باختين‬
   ‫كأيديولوجيا تعبي ًرا عن تصورات الكاتب بواسطة‬         ‫على ضرورة «التحليل العميق والجاد للكلمة كدليل‬
   ‫تلك الأيديولوجيات المتصارعة في الرواية‪ ،‬من هذا‬
  ‫المنظور فإنه يكون من المتعذر تما ًما تحديد الموقف‬      ‫مجتمعي حتى يمكن فهم اشتغالها كأداة للوعي‪،‬‬
      ‫الذي يتبناه الكاتب ومشروعه الأيديولوجي إلا‬            ‫وتستطيع الكلمة بفضل هذا الدور الاستثنائي‬
    ‫بعد إتمام التحليل الروائي‪ ،‬ومناقشة الرواية من‬            ‫أن تشتغل كعنصر أساسي مرافق لكل إبداع‬
    ‫حيث حواريتها وتعددية الأصوات فيها‪ ،‬إذ لا بد‬                                       ‫أيديولوجي»(‪.)12‬‬
 ‫أن تنكشف لنا هذه الحوارية عن موقف عميق وهو‬
  ‫موقف صاحب الإرسالية ‪-‬الكاتب‪ -‬ذلك أن صوت‬                 ‫وتأسي ًسا على ذلك‪ ،‬نتبنى رأي باختين في قوله‪:‬‬
‫هذا الأخير ما هو إلا مجرد صوت من بين الأصوات‬               ‫«لن نفحص اللغة باعتبارها نس ًقا من المقولات‬
                                                         ‫النحوية المجردة‪ ،‬وإنما سنتعامل معها باعتبارها‬
             ‫المتعددة والمتعارضة منذ بداية الرواية‪.‬‬    ‫لغ ًة ُم ْش َبعة أيديولوجيًّا‪ ،‬وباعتبارها مفهو ًما للعالم‪،‬‬
       ‫ويبدو أن باختين كان يميل إلى حصر وجود‬             ‫بل وكأنها رأي ملموس‪ ،‬أو كأنها ما يضمن الح ّد‬
   ‫الأيديولوجية داخل الرواية في المستوى الأول من‬         ‫الأعلى من الفهم المتبادل في جميع مجالات الحياة‬
      ‫التمييز الذي أقامه لحمداني‪ ،‬لأنه يجعل كاتب‬
   ‫الرواية صاحب موقف حيادي في الغالب وخاصة‬                                          ‫الأيديولوجية»(‪.)13‬‬
      ‫في الرواية المتعددة الأصوات‪ ،‬ويتضح هذا من‬         ‫هذا المنظور إلى اللغة الروائية هو الذي يشيد عليه‬
     ‫خلال تحليلاته لأعمال دوستويفسكي في قوله‪:‬‬         ‫باختين مفهوم الحوارية الأساس في تصوره للرواية‬
    ‫«كانت أمثلة نموذجية لإثبات التعايش الصدامي‬
     ‫بين الأيديولوجيات في النص مع احتفاظ الكاتب‬            ‫بوصفها قائمة على حوارية اللغات ذات الأبعاد‬
  ‫بحياده الخاص‪ ،‬بحيث يترك القارئ في حيرة تامة‬             ‫الاجتماعية والتاريخية‪ ،‬التي تجعل المتكلمين في‬
    ‫أمام صعوبة تحديد الموقف الحقيقي للمبدع»(‪)16‬‬             ‫الرواية مدخ ًل لقراءة الأيديولوجيات المتباينة‪.‬‬
 ‫لأنه يتخفى وراء مجموعة من الأصوات واللغات في‬              ‫من جهة أخرى‪ ،‬يذهب حميد لحمداني في كتابه‬
‫الرواية‪ ،‬هذه الأصوات واللغات التي يوظفها بطريقة‬             ‫«النقد الروائي والأيديولوجيا» إلى التمييز بين‬
‫فنية حتى تعبر عن أفكاره ورؤيته للعالم بطريقة غير‬      ‫الرواية كأيديولوجيا والأيديولوجيا في الرواية‪ ،‬حيث‬
                                                        ‫يرى «أن هذه الأخيرة تدخل إلى الرواية باعتبارها‬
                                       ‫مباشرة‪.‬‬        ‫مكو ًنا جماليًّا لأنها هي التي تتحول في يد الكاتب إلى‬
                      ‫ب‪ -‬المؤلف وتحقيق أهدافه‪:‬‬
      ‫إن «تأم ًل بسي ًطا في أغلب أشكال الفن الروائي‬                   ‫وسيلة لصياغة عالمه الخاص»(‪.)14‬‬
     ‫المعاصر سواء من خلال الحوار المباشر‪ ،‬أو من‬           ‫أما بالنسبة للرواية كأيديولوجيا «فإنه لا يمكن‬
   ‫خلال سرد الوقائع والأحداث بلغة الراوي يجعلنا‬
 ‫نلمس أن هناك تعددية في أشكال الوعي المتصارعة‪،‬‬                 ‫الحديث عنها إلا عندما ينتهي الصراع بين‬
     ‫وبالتالي تعددية للغات المعبرة عن تلك الأشكال‪،‬‬          ‫الأيديولوجيات‪ ،‬عندئذ تبدأ معالم أيديولوجية‬
     ‫لذلك فكلام الراوي لا الكاتب لا يمكن أن يشكل‬         ‫الرواية ككل في الظهور‪ ،‬ويمكن القول إن الرواية‬
   ‫أسلو ًبا واح ًدا يعبر عن فردية فكرية‪ ،‬ولكنه خليط‬   ‫كأيديولوجيا لا يمكن الحديث عنها إلا بعد استيعاب‬
   ‫من الأساليب‪ ،‬وبواسطة هذا الخليط تريد‪ ،‬الرواية‬      ‫طبيعة الصراع وتحليلها بين الأيديولوجيات داخلها‬
                                                      ‫ونتيجة هذا الصراع‪ ،‬لأن الرواية كأيديولوجيا تعني‬
                                                        ‫موقف الكاتب بالتحديد‪ ،‬وليس موقف الأبطال كل‬

                                                                              ‫واحد منهم على حدة»(‪.)15‬‬
                                                         ‫من خلال هذا التمييز الذي أقامه حميد لحمداني‪،‬‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49