Page 77 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 77
75 إبداع ومبدعون
قصــة
بإعجاب ،وأنا آتي في الصباح بسلّة ملأى بالسمك بأنك الراعي الذي عرف نعم الحياة بعد أن تزوجت
الذي مازال يبرق ويرهج ،ولعل (مجيدة) كانت من ابنته من الأمير! وأنا ،لن أجرؤ على النظر في عيني
بين هؤلاء الأطفال الذين أعجبوا بي! الأمير ،لأنني ابنة الراعي! سأعيش عنده عبد ًة
كانت الأيام تمر ،كما لو أنها ساعة! ذليلة!
وإلا كيف أصبحت (مجيدة) صبية تقطر حلاوة،
ولها طول زينة ،وشعر طويل يموج بالأسرار، ويسألها أبوها الراعي ،ألكل هذا ترفضين؟! فتقول:
ووجه كالبدر يضحك من دون ابتسام! أحسست لا ،أرفض لأن قلبي ما مال بعد! ويسألها ضاح ًكا،
وأنا أواقفها كما لو أنني أرتطم بها! ومتى يميل؟! فتقول :عندما تأتي الرياح الشديدة!
تضحك (مجيدة) ،تضحك ملء رأسها ،وتسأل أمها،
يا إلهي ..أي مجيدة هذه!
جاءتنا ،أنا وأمي ،صبا ًحا ،وبعد عودتي من البحر، ومن تزوجت بنت الراعي بعد أن رفضت الأمراء
ومن سوق السمك ،لتسأل إن كان لدينا سمك .أمها السبعة ،فتقول أمها :مجنونة مثلك ،تزوجت ابن
راعي البقر! فتقول مجيدة ،والله بطلة .أنا سأكون
أرسلتها لتشتري (فرخين) سمك ،فواقفتها قرب مثلها ،لكن من أين لي بابن راعي البقر! فترميها
الباب مذهو ًل من هذا الجمال الصارخ .وسألتها
ما الذي فعلته بنفسها حتى غدت على هذا النحو أمها بما تصل إليه يدها ..ممازحة!
كنت أجاور (الخالدية) وابنتها (مجيدة) في السكن،
من الجمال .ومتى كبرت؟! فضحكت ،وأمالت ولا أحد لي سوى أمي العجوز ،أتركها لي ًل ،وأمضي
رأسها حيا ًء .أمي صرخت بها من خلفي ،قولي
لـ(الخالدية) ،والله منذ ثلاثة أيام ،والبحر يعاند في مركبي الصغير لأصطاد سمك البحر ،وليس
(رشيد)! والله ما جاءنا ولو بـ(فرخ) واحد ،قولي معي سوى شباكي ،وفوانيسي ،والسلال!
لها إنني ما نسيتها خلال الأيام الماضية! وقد ورثت كل شيء عن أبي ،المركب ،والشباك،
اليوم جاء رشيد بسلّة سمك! وبدل (الفرخين) يا والفوانيس ،والسلال ،وأسرار الصيد ،والغضب
(مجيدة) خذي أربعة! وقولي لـ(الخالدية) عيب العاصف ،والهيجان العنيف! عرفت المهنة
تبعث (مصاري)! بتفاصيلها منذ أن رافقت والدي في سهر الليل ،وأنا
ابن عشر سنوات! حاولت أمي أن تحول بيني وبين
وابتعد ُت من أمام (مجيدة) استدر ُت نحو سلة هذه المهنة التي لم تو ّرث أبي سوى البعد عنها ،لكن
السمك ،وانحنيت عليها وانتقيت منها أربع سمكات،
وأعطيتها لـ(مجيدة) ،التي شكرتني ،وشكرت أمي! أبي تعلق بي ،وحرص على أن يعلمني المهنة! قال
لها :الصياد فارس ،فارس البحر ،لا أحد أهم من
ومضت! يا إلهي أي جمال هذا الذي صار لك يا الصياد في حضرة البحر ،كل سمك الدنيا يجتمع
(مجيدة)! حول الصياد ليس من أجل أن يقع في شباكه ،وإنما
من أجل أن يراه! والسمك لا يهاب أح ًدا في الدنيا
أمي ،همهمت ،وهي تعمل على إفراغ أحشاء
السمكات ،والله حتى نحن اشتقنا لأكلة سمك .قلت: سوى الصياد .وتقول أمي معاتبة أبي :ستدمر
الولد ،أعرف ذلك! ولم أدر كيف نما حس المغامرة
والله عاشت (الخالدية) وخلفت بنتًا مثل القمر! في صدري ،وكيف تاقت روحي وانش ّدت إلى ليالي
قالت أمي( :أبو مجيدة) كان وجهه مثل القمر! لم البحر ،كنت أشعر ،وأنا صغير ،أن كل ليلة من ليالي
تبق بنت أو امرأة إلا وعشقت (أبو مجيدة) ،لكنه ما البحر ،هي دنيا ،ومفاجآت جديدة ،وأخبار جديدة،
ركع إلا أمام (الخالدية) .قلت :و(الخالدية) حلوة.
وأفراح جديدة! حتى الهزائم أمام الأسماك ،وما
قالت أمي :قمر ،ومن ينكر! مسكينة لم تعرف أكثرها ،كنا نح ّولها إلى أفراح! نفرح لأن السمك نجا
السعادة ،ولم تطلع من الدنيا إلا بـ(مجيدة)! قلت:
من الوقوع في شباكنا!
و(مجيدة) نعمة ،نعمة يا أمي! قالت :يا ولد ماذا كنت شا ًّبا عفيًّا ،حين كانت (مجيدة) ابنة خمس
تقصد! فغصص ُت وانشغل ُت عنها! آه ..يا أمي! يا سنوات .كنت أراها تلعب قرب البيت ،فألاطفها،
لذلك السؤال الذي لا يزال ير ُّن في أذن َّي منذ ذلك مثلها مثل الأولاد الآخرين الذين كانوا ينظرون إل َّي
الزمن البعيد! ما أقصده ،صرت تعرفينه ،هو أنني