Page 79 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 79
77 إبداع ومبدعون
قصــة
للتجار ،وبذلك نربح أكثر! أنت تتعب ،وتسهر طوال
الليل ،والتجار يأخذون السمك بأسعار زهيدة! دعنا
نجرب! قلت :موافق بشرط ،قالت :اشرط .قلت:
رجلي على رجلك! قالت ،وهي تعانقني :طب ًعا .أنت
حياتي .وكل رجال الدنيا لا أراهم وأنت موجود!
آه ..كم كانت (مجيدة) صادقة!
وفي سوق السمك ،أعطانا الله الكثير! وفرحت أمي
و(الخالدية) ،على الرغم من أنهما خافتا من سوق
السمك ،أمي قالت لي :في قلبي غصة من وجود
(مجيدة) في السوق .و(الخالدية) طلبت مني أن
أظل قريبًا من (مجيدة) ،وأن تظ َّل عيني عليها! ولم
أفهم من كلامهما شيئًا ،لم أ ِع ،لأنني كنت واث ًقا
من (مجيدة) ،وقد رأيتها كم هي جدية وقادرة على
التعامل مع الآخرين ،كانت سريعة في الحساب،
وهي التي تركت المدارس في الإعدادية ،مثلي
تقريبًا! ولكن ما بات يزعجني أن اسم (مجيدة)
راح يرن في السوق مثل طاسة النحاس ،الباعة،
والناس ،والصيادون ،كلهم يتحدثون عن (مجيدة)،
فالسمك الأحسن والأرخص عند (مجيدة) ،والبيع
الحلال عند (مجيدة) ،والصيادون يأتون إلى عند
(مجيدة) ،والناس يتجمعون ويتجمهرون حول
(مجيدة)! تنكة نار التدفئة في الشتاء عند (مجيدة)،
وعريشة القصب في الصيف عند (مجيدة)! سوق
السمك كلها صارت تتحدث عن (مجيدة) ،أول من
ينتهي من البيع (مجيدة) ،وأول من يغادر السوق
(مجيدة)! ويقولون أي ًضا إن من يأكل السوق
ويستأثر بالناس والصيادين م ًعا هي (مجيدة)!
دمرني الكلام ،مثلما دمرتني الأقاويل ،وراح
الشك يلعب في صدري! وكاد يقضي عليَّ على
الرغم من أن المال الكثير جرى بين يد ّي ،فأكلت
ما اشتهيت ،ولبست ما رغب ُت به ،وحسن ُت عمارة
البيت ،واشتريت لأمي ما رغبت به ،وكذلك انتعشت
حال (مجيدة) وأمها (الخالدية) .فراقت لنا الحياة
وزهت! ولكم مدحنا حظنا ،أنا و(مجيدة) ،ونحن
نرى أمي وأمها (الخالدية) وقد جلستا مجاور ًة
وهما تغرقان في همس ومسارات لكأنهما طيرا
حمام!
ولم أكن أخشى من شيء سوى غضبي وهياجي،
فأنا إذا ما غضبت لا أرى أمامي .أفقد عقلي أو أكاد!