Page 82 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 82
العـدد 33 80
سبتمبر ٢٠٢1
برذاذ عبارات ناقصة .تكهنات ،ولعنات ،واسترحامات
لا تنتهي .ارتجافات الشفاه بم ّودات قديمة ،وذكريات
منقضية ،أعمار مقهورة أو مستباحة تجأر بالشكوى،
قسمة ونصيب ،كيفما كان ،لا بد من التصالح معه،
والعيش به ،والزمن كفيل باعتياد الخطوب.
لكن خطب الخوف كان قد غافلهم هذه المرة ،وتحوصل
في حبة القلب.
واليوم ،وبدون أن يدري أحد ،أخذ المكبوت يتفتق ،وحبة
القلب تتصدع ،وتسقط عنها قشرتها السميكة ،متناثرة
أمام الأعين والأبدان ،المتحلقة حول الجسد العائم.
فجأة ،وكأنما بأمر من دخيلة واحدة ،متوارية في أعماق
أصحابها ،دخيلة جمعت بينهم بعد أن فرقهم الصخب،
وفوضى الكلام ،وشتات الذكريات ،ساد الصمت من
جديد.
صمت هذه المرة قد زايله وقع الحدث المألوف .يباغتهم
اليوم ذاك الخطب ،وكأنهم ما توقعوا أب ًدا حدوثه.
صمت مفعم بدهشة وانتباه ،أصبح عيو ًنا تتسع أحداقها
السمراء ،ودوائرها الدامية بالسهر والكيف ،المنغرسة في
أديم الجلود النحاسية ،المحمصة بوقد لا يرحم .الشمس
ذاتها تسمرت مندهشة في موضعها ،وأرجوانها المحمي
صار ينداح في دوائر لا نهاية لها ،تبتلع المكان.
كان الجسد قد بدأ يتمطى ،وكأنه يفيق من نوم طويل.
صدره الضامر لا ينتفخ بالهواء ،لا يعلو ولا يهبط،
وإنما يتمدد في المساحة المحيطة بالكهف ،المحكومة بحلقة
الناس.
كانت ذراعاه مكدودتين بعمل طويل ،شاق ومجهد،
تحتشدان ،مع ذلك ،بطاقات عزم هائل ،بدا في العروق
النافرة ،وفي أصابع مسحوبة ،تخط على الأرض نقو ًشا
متشابكة.
الرأس الكهل مكلل بهالة بيضاء كأنها نور ،يومئ إيماءات
يسيرة ،منتشية بأنغام ترنيمة أو ِذ ْكر كوني ،غير
مسموع إلا في أذنيه .ومع الإيقاع الشجي الأسيان تلين
أخاديد الأحزان ،وتنفرج أسارير الهم والفكر ،ويذوب
الوجه في رونق بهاء ليس بأرضي.
الجسد كله تعتريه انتفاضات َهيِّنة ،تكاد لا ُتلحظ،
تصاحبها استطالة في الذراعين ،ومساحة النقوش
المخطوطة تزداد شب ًرا ،فشب ًرا ،والصدر يتسع معها،
وحلقة الناس تكبر ،الداني منهم يفسح موض ًعا للقاصي،
من أجل أن يتملى المشهد العجيب.