Page 85 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 85
83 إبداع ومبدعون
قصــة
الكذب ،هذا الاجتماع كاذب ،وعنوانه كاذب ،وكل المتحدثين ويتمركز في عين ّي فأفتح فمي باتساعه متثائبًا ،ومع
كذبة ،إنهم يعرفون أننا نعرف أنهم لصوص ،ومع ذلك التثاؤب أغلق عين ّي فيسقط وعيي في ظلام دامس ،غائبًا
يصرون على ترويج أوهام وتسويق أكاذيب ،فكيف لا
أتثاءب؟ عن الاجتماع والمجتمعين.
لا أدري كم مرة هاجمني التثاؤب ،ولكن في مرة من
كنا قد وصلنا إلى حيث تقف لامعة كاذبة سكرتيرة السيد المرات ،فتحت عين ّي لأرى أمل تتثاءب هي أي ًضا ،التقت
رئيس مجلس الإدارة ،التي قادتنا إلى غرفة فخمة للغاية، الأعين وابتسم كل منا لصاحبه ،ثم رحنا نتثاءب في
اللحظة ذاتها ،كان الأمر عجيبًا ح ًّقا ،فلو كنا قد اتفقنا
ملحقة بقاعة الاجتماع ،وفتحت درج مكتب ،وتناولت على التثاؤب المشترك ،وتدربنا عليه ،ما كان ليحدث بذلك
ظرفين مغلقين ،قدمت لكل واحد منا ظر ًفا ،ثم جعلتنا التزامن الدقيق للغاية ،ومع انتهاء كل نوبة تثاؤب كانت
نوقع على إيصالي استلام. عيوننا تلتقي وشفاهنا تبتسم.
غادرنا السكرتيرة اللامعة الكاذبة ،فقالت أمل: قد يكون سيادة رئيس مجلس الإدارة قد لاحظ مباراة
-أراهن أنك لم تقرأ الرقم الذي وقعت على استلامه. التثاؤب القائمة بيني وبين أمل ،وقد يكون أحدهم قد لفت
قلت: نظره إليها ،لأنه فجأة قطع حديث متحدث وصاح:
-لقد ربح ِت الرهان ،أنا ح ًّقا لا أعرف ما بالظرف. -المهندسة أمل يحيى ،هل تتكرمين علينا وتذكرين
قالت: ملخ ًصا لما قاله السيد المهندس العضو المنتدب!
-الملاحظات الصغيرة شأن نسائي ،بالظرف مائة وخمسة أرسلت لي أمل نظرة وهي تقف متمهلة ،أجبت نظرتها
وسبعون جني ًها مصر ًّيا فقط لا غير. بنظرة تعني (الله معك).
فتحت فمي منده ًشا من ضخامة المبلغ وقلت ضاح ًكا: ابتسمت أمل للجميع ثم طفقت تتحدث حديثًا شني ًعا ،لفت
نظري حرصها على استخدام الفصحى ،إضافة إلى سلامة
-هذا أثمن تثاؤب مر في حياتي.
عندما أصبحنا خارج الفندق ،تحيرت في الخطوة التالية، مخارج حروفها.
هل أدعوها لشراب منبه كما أوصى سيادة رئيس مجلس قالت أمل كلا ًما كثي ًرا ،فصي ًحا نعم ،ومرتبًا نعم ،لكنه لا
الإدارة ،أم يذهب كل منا لشأنه؟ يعني شيئًا البتة.
قطع ْت عليَّ حيرتي قائلة: أوقفها السيد رئيس مجلس الإدارة بنظرة نارية وبضربة
-المبلغ ضخم ،لا شك في ضخامته ،إنه يكاد يقترب من يد على مائدة الاجتماع ،ثم قال:
نصف راتبي ،أظن أنه مال حرام ،هل تشاركني الظن؟ -شك ًرا سيدتي على كل هذا البطيخ ،أنت -ثم أشار إل َّي-
ابتسمت ثم قلت: وزميلك ،اذهبا إلى أقرب مكان يقدم المشروبات المنبهة.
-هو حرام بكل تأكيد؛ لأن الإدارة تغطي على سرقاتها كنا نتجه نحو باب الخروج بدون أن تعلق بنا ولو ذرة
باجتماعات وندوات ،وتقدم للحضور ما ًل مقابل التصفيق، واحدة من تراب الخزي أو العار ،نحن لسنا مطرودين من
الحمد لله أننا لم نصفق ،كنا نتثاءب فقط. اجتماع مهم ،نحن ذاهبان لتناول مشروب منبه.
قالت: قبل أن نصل للباب بخطوة جاءنا صوت السيد الرئيس
-هذا جيد ،ولكن كيف سننفق ما ًل نعتقد أنه حرام؟ لينًا كأنه أب يودع أولاده:
قلت: -قبل مغادرتكما م َّرا على السكرتيرة ،تجدانها في الممر
-سأشتري به مخزو ًنا من السجائر يكفيني لشهر أو الذي على يسار المصعد.
شهرين. ما إن أغلق ُت الباب خلف ظهرينا حتى سألتني:
قالت وهي تبتسم: -فيم كان تثاؤبك؟ ولا تقل لي إنه قلة نوم.
-أنا سأشتري بمالي قمصان نوم تذهل العابد عن عبادته. أجبتها:
قالت جملتها ببساطة متناهية ،ثم أطلقت أولى ضحكاتها في
-يصيبني التثاؤب عندما أفقد التواصل.
تاريخ علاقتنا. هزت رأسها معجبة بصياغتي ثم قالت:
كأني العابد الذي أذهلته فتنة قمصان نومها ،وقفت بلا -قبل أن تسألني سأجيبك ،أتثاءب عندما يحاصرني
حراك ،مأخو ًذا بهذه الجنيّة التي لا أعرف عنها سوى