Page 89 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 89
87 إبداع ومبدعون
قصــة
الأرامل منتظرة دورها في قبض معاش ضئيل يكفي بالكاد
لأن يبقيها على قيد الحياة.
ومع هذا التغير الشامل جد عليها ثلاثة أمور ،الأول هو
التدخين ،لم تكن في زمانها الأول مدخنة ،الآن أصبحت
مدخنة شرهة لكل أنواع السجائر ،ومع التدخين تلفت
حبالها الصوتية فكنت أنكر صوتها عندما يصلني بعدما
ذهب عنه رنينه القديم.
الأمر الثاني ،هو اقتناؤها لعدد مهول من السبح ،سبح
من كل لون وحجم ،كانت تطمئن على وجودها في حقيبة
يدها بين كل لحظة وأخرى ،ولأني كنت أعرف نفورها
من الرجال والنساء الذين يصطحبون معهم سبحهم أينما
ذهبوا فقد تجرأت وسألتها عن هذا التعلق الجديد على
شخصيتها.
فلمعت عيناها بالحزن الذي حدثتني عنه قدي ًما وما كنت
أصدقه ثم قالت:
-لقد ضاع عمري وأنا لا أعرف شيئًا عن الاستغفار
والتسبيح والتكبير والتهليل ،هل ستصدقني لو قلت لك إن
أغلب قراءاتي الآن عن فوائد الاستغفار؟
سبحي تقربني من تحطيم الرقم القياسي ،فقد قرأت أن
أحدهم كان يستغفر الله في اليوم اثني عشر ألف مرة،
قريبًا سأزف إليك خبر تحطيمي لذلك الرقم.
الأمر الثالث هو الرائحة ،لم تكن في زمانها الأول من
اللواتي يحببن أن يعلن عطرهن عن حضورهن.
كانت تقول لي:
-أكتفي برائحة جلدي ،وعلى المتضرر اللجوء إلى سد أنفه.
تقولها وتضحك ضحكتها الفاتنة.
تقولها وأعتصم بصمتي لكي لا أرد عليها قائ ًل:
-وأنا تنعشني رائحة جلدك المغسول بالماء الساخن
والصابون ،لك رائحة البهجة والسكينة والرضا.
الآن أصبحت لها رائحة خشنة نفا ّذة ،لن أستطيع وصفها
إلا إذا استطعت العثور على وصف مناسب لرائحة القلق.
***
عندما نلتقي أجد نفسي مع امرأة يضربها ألم غامض،
وتشي ملامحها بأسئلة جارحة لا تقوى على التخلص
منها.
تقابلنا فقعدت مبعثرة ،مخاصمة قعودها الذي كان أني ًقا
محك ًما في زمانها الأول ،ثم بدأت في التدخين ،تشعل
السيجارة من سابقتها ،وتسعل سعا ًل خشنًا يكاد يجرح
حلقي أنا.