Page 93 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 93
91 إبداع ومبدعون
قصــة
أضاءه بالكهرباء وزرع فيه حديقة بسقت بأشجار نهاية رحلاته عاد وفي يده زوجة كردية ،قال إنها
برتقال فواحة ،وم َّهد مدخ ًل طوي ًل بالبازلت صنع صفعته على وجهه عندما حاول تقبيلها ،وهذا السبب
فيه أرجوحة لي قبل أن أولد ،وبعد أقل من عام فكر،
فقط فكر في شراء أوتوموبيل ماركة فورد ،وبدأت بالذات هو ما جعله يتزوجها.
تجمد ْت حاله على مهنة الرعي لسنوات طويلة ،كانت
الحياة تشحن فيه رغبات جديدة لم تطرق عقله
من قبل ،لكن الشيء المرتبط بالرغبة كان أسرع الشمس تحمص بشرته وتزيد بدنه نحو ًل ،ركبته
في التنفيذ من شراء أوتوموبيل سيحتاج إلى أموال الأمراض وهو لم يزل شا ًّبا ،فاتخذ قرا ًرا بأنه
كثيرة ،فاقتنى الراعي خادمة من قريته البعيدة،
سرعان ما َح َل ْت في عينه فتزوجها ،وأنجبت له الولد، اكتشف العيب الذي يمكنه أن يبدد حياته ويجعلها
جحي ًما ،وتوصل إلى أن كل مكروه يحدث له إنما هو
بيرلسكوف ،أو ناجي ،أنا.
بسبب ضعف إيمانه.
*** فبدأ منذ اكتشافه ذاك أن يهتم بالذهاب إلى الكنيسة،
ُيكثر من صلاته ويبتهل بخشوع ،لكن شيئًا لم يتغير
بعد أن مات أبي بسنوات طويلة كن ُت أشعر
بالاختناق كلما رأيته يظهر لي ،لم يكن هو ذلك في حياته ،ربما زاد نحو ًل فوق نحوله ،وتاه منه
الرجل الذي أعرفه ،بل أب آخر غير ُمسالم بالمرة، خروفان وغنمة بين دروب الجبال الوعرة.
ربما أضيفت إليه كماليات الموت ،أو أنه عرف عن
الكرة الأرضية ما لا يعرفه سكانها الأحياء ،أحيا ًنا وذات يوم مطير ترك خرافه وطلع الجبل ،كان
أراه كأنه يعلم من الذي أنهى حياته ،فأراد لها أن يعاني من البرودة وبدنه ينتفض ،سقطت منه العصا
تكون أطول عن طريق تلك الألاعيب ،عدم خوفي
منه اعتبرته انتصا ًرا كبي ًرا ،كان أينما يظهر لا التي يهش بها على غنمه ،رشقت في الرمال وترك ْته
أخشاه ،بين كراكيب المعمل يقف ،أو يتسلق شجرة فوق الجبل محتا ًرا ،كان يعتقد أنه عندما يقترب من
في الجنينة الصغيرة ،رأيته أحيا ًنا ينام تحت الكنبة السماء سيكون مسمو ًعا بشكل أفضل ،فقال كل ما
التي أستلقي عليها بعد إرهاق التجارب اليومية ،لا
أخاف منه ،ربما كنت أفكر بشكل أسرع وأبحث عن في نفسه ،هذه الشكوى بالذات لم ينسها أب ًدا ،فقد
طريقة مختلفة للتعامل معه ،لا خوف يفيد الإنسان، تلفظ بكل ما يريد قوله ،حتى قال جملة على هيئة
هو من علمني ذلك ،أن أكون عقلانيًّا متز ًنا ،لا أخشى
قوى الطبيعة مهما كانت ،لا ترهبني أحكام الناس في سؤال:
تقييمي مهما كانوا ،جمد قلب أبي إلى حد لا يمكن «هل لم تعد تراني؟».
قال لي ذات تمشية مسائية ،لا أحد يمكنه تخمين
تصوره ،فجمد قلبي أي ًضا. َمن المقصود بهذا السؤال ،لكنني كن ُت أقصده
أتذكر ذلك اليوم جي ًدا ،كنت تقريبًا في العاشرة، هو ،الرب ،ذلك الكيان الذي برغم قدرته الكبيرة
ذهبنا م ًعا إلى الدير ،سمع ُت كثي ًرا من أقراني أن ف َّضل أن يتركني في العراء والجوع والبرد .بعد أن
الدير به فراشات مقدسة ،نراها تطير كلما حضرنا خرجت الجملة كان من الصعب إعادتها مرة أخرى
القداس ،وقالوا أي ًضا إن طيلسانة القسيس بها مرآة، إلى جوفه ،قال لي إنه ظل ينتظر لسنوات وسنوات،
لا تعكس سوى ما في نفوسنا من خير أو شر ،عندما يسأل نفسه ،متى سيحل بي العقاب الإلهي؟ كثي ًرا
واجه ُت أبي بهذا الكلام قال مستخ ًّفا ،لنذهب ونرى. ما تخيل العقاب على شكل لص سيسرق أغنامه،
في اليوم التالي لبست أحلى ثيابي ،كادت الخيالات أو مرض سيفتك به ،أو ملك موت سيخطف عزي ًزا
تطير بعقلي ،أصبح رأسي خلية للفراشات التي لديه ويخترق به ال ُحجب ،لكن شيئًا من هذا لم
سنراها تحوم حول الطيلسانة ،يمشي أبي فار ًدا يحدث ،فالأحد عشر غنمة صارت عشرين ،ثم
تضاعفت خلال أشهر قليلة ،وبعكس كل تصورات
أبي المتشائمة ،لم يحل به أي عقاب ولم تقع عليه أي
لعنات ،فقد تزوج منذ سنوات من ابنة عمه وأنجب
منها ثلاث بنات ،وتضاعف قطيع خرافه ثلاث مرات
خلال موسمين اثنين فقط ،انتبه له الرب فجأة،
فترك كوخه الصغير فوق الجبل وبنى بيتًا أني ًقا،