Page 90 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 90
العـدد 33 88
سبتمبر ٢٠٢1
كل أحد أو شيء تعلقت به ،حالة شاملة من حالات الفناء ضقت بتدخينها المتواصل وبالتزامها الصمت فقلت لها
الخاص ،فناء يخصني أنا فقط ،يضغط خيالي على قلبي مشاك ًسا:
حتى يصبح كالحقيقة ،فأبكي وحدتي ووحشتي وموتكم، -هل جئ ِت لكي تحتفلي معي باليوم العالمي للصمت
وأظل أبكي حتى يستولي صداع قاتل على رأسي ،فأدفن وتدخين السجائر الرديئة؟
غمغمت قائلة:
نفسي في الغطاء وأسقط في نوم عميق.
-جئ ُت لكي أبوح لك بسر ،سر له رمحان مغروسان في
*** صدري.
جاءت تزورني في مكتبي الخاص ،لقد نجحت حتى خفت أن ينالني من سرها أذى فسكت ولم أدفعها للكلام،
أصبحت أمتلك مكتبًا له صيت الشركات الكبرى ،كثي ًرا بل لم أرحب بأن تتكلم ،ولأنها في غاية الذكاء فقد وصلتها
ما دعوتها لزيارتي في مكتبي ولكنها كانت ترفض بحجج
شتى ،يومها جاءت من غير دعوة ،جاءت من تلقاء نفسها، رسالة سكوتي ،فسعلت حتى دمعت عيناها ثم قالت:
-كن مطمئنًا ،أنا لن أتجاوز حدودي التي رسمتها أنت لي،
جاءت كما كانت تأتي في زماننا الأول.
جاءت لامعة مهندمة تفوح منها رائحتها القديمة ،رائحة ما علينا ،سري يا حمودة ،سر مر ّكب من حالتين ،الأولى
جلدها والماء الساخن والصابون المعطر ،فرحت بعودتها هي أنني أصبحت أشعر بنشوة ما عندما تقع مصيبة ما،
لا أقصد مصيبة شخصية أو حتى عامة ،أعني المصائب
لهيئتها القديمة ،فسارعت بالوقوف بنزق فتحت معه
ذراعي باتساعهما لكي أحتضنها لأول مرة في تاريخ التي يقولون إنها كونية أو طبيعية.
قاطعتها سائ ًل:
علاقتنا.
استكانت في حضني وهي تغمغم: -أرجو المزيد من الإيضاح لأنني لا أفهم ما تشيرين إليه.
-ربع قرن ،وحضن واحد ،ما علينا. أشعلت سيجارة جديدة وقالت:
أفلتها برقة من بين ذراعي وقلت بفرح صادق:
-حم ًدا لله على سلامتك ،كأنك كن ِت مريضة. -يعني عندما تمطر السماء ،أجدني أتمنى ألا يمر المطر
ضحكت ضحكتها الغالية وقالت: كما مر سابقه ،أتمناه مط ًرا كأنه طوفان نوح ،أتمناه مط ًرا
-وكففت عن التدخين ،وحطمت الرقم القياسي في
الاستغفار ،يوم أمس استغفرت ثلاثة عشر أل ًفا وسبعمائة نفر منه إلى أعالي الجبال فيحبسنا هناك في ثلج القمم
وثلا ًثا وثلاثين مرة ،أشعر بأنني ممتلئة حتى حافتي الشاهقة وعزلتها وقسوتها ،وأرانا وقد بدأنا حياة جديدة
بعظمة ما. ليس بها من أحزاننا القديمة شيء.
قلت وكأنني عثرت على كنز: هناك في قمم الثلج والقسوة والعزلة ،سيعود الرجل رج ًل،
-هذه مناسبة عظيمة لا يليق بها سوى حفل عظيم ،هيا وتعود المرأة امرأة ،ويعود الطفل طف ًل ،وتسري في عروقنا
نهندس حف ًل يليق بهذه المناسبة.
أشارت بيدها بعلامة السكوت ثم قالت: المتيبسة نفخة الله ،فنولد ثانية أبرياء رحماء.
-قبل التفكير في هندسة احتفالك ،كيف ترى مصطفى إنني أكون منتشية بذلك الأمل كلما تدفق المطر ،ثم أصاب
محمود؟ بالضمور حتى أكاد أتلاشى عندما تكف السماء ويمر
أدهشني سؤالها ،خاصة وأنا لا أعرف َم ْن مصطفى المطر كغيره ،مخل ًفا بر ًكا من الماء الآسن والمزيد من أوحال
محمود الذي تسألني عنه ،فأجبتها قائ ًل: الشوارع المتعفنة.
-عن أي مصطفى تسألين؟ وقس على ذلك حالي كلما سمعت بحريق ،أو علو موج
ظهر الضيق على وجها وقالت: البحر ،أو حتى حادث قطار.
-مصطفى محمود الكاتب ،صاحب المسجد الشهير سمعتها وواصلت اعتصامي بصمتي لأن أي تعليق لي كان
وبرنامج العلم والإيمان. سيخرجها من حالة البوح ،وأنا أريدها أن تتخلص من
كوابيسها الخاصة بالبدء من جديد.
نظرت لي مبتسمة وقالت:
-أراك سكت ،أراك خائ ًفا من صديقة قديمة غنت لاسم
تدليلك في أول لقاء جمعها بك ،ما علينا ،الحالة الثانية
لسري المر ّكب ،هي أنني أتخيل موتك وموت أولادي وموت