Page 206 - merit 51
P. 206

‫أكان مصر ًّيا أم غير مصر ٍّي‬                                  ‫العـدد ‪51‬‬                          ‫‪204‬‬
  ‫أن يقرأ كتب المصريين ويعر َف‬
 ‫دياناتهم وطقو َس ُهم وأساطي َرهم‬                                                 ‫مارس ‪٢٠٢3‬‬    ‫أن يذه َب عقلي؟ ر َّبما‪ ،‬هل ول ِهي‬
‫وأسرا َرهم؛ ليق َف على إرثهم المُهم‬                                                                ‫بالتص ُّوف أوقعني في ال ُح ّب‬
 ‫الملهم‪ ،‬باعتبارها راف ًدا أساسيًّا لا‬       ‫ب ُمجاهدتي المُستمرة؛ كي تفت َح‬                                   ‫ال َّشديد؟ ر َّبما‪.‬‬
‫يمك ُن إهما ُله أو حذ ُفه؛ لأ َّنني أرى‬     ‫ال َّسموا ُت عليَّ بأسرار الحقيقة؛‬
‫أغلب ال ُّشعراء وال ُكتَّاب بشك ٍل عام‬                                                           ‫ما أرا ُه أمامي الآ َن بعد امتدا ِد‬
  ‫مش ُدودين إلى المُنجز الغربي في‬             ‫فأنا لا أبح ُث عن يقي ٍن ما‪ ،‬إ ْذ‬               ‫التجرب ِة وتن ُّقلي من مكا ٍن إلى آخر‬
  ‫ال ِّشعر خلال القرنين الماضيين‪،‬‬          ‫ال َّشاعر أو الفنَّان بشك ٍل عام هو‬               ‫بين قريتي كفر المياسرة في الدلتا‪،‬‬
                                           ‫اب ُن الش ِّك والقل ِق‪ ،‬وخناق الجدل‬               ‫وسوهاج حيث دراستي الصحافة‬
       ‫مع أ َّن عد ًدا لا ُي ْح َصى من‬
‫مبدعي الغرب كان التراث العربي‬                           ‫بين الذات وذاتها‪.‬‬                            ‫وتع ُّرفي مب ِّك ًرا بالتص ُّوف‬
                                          ‫أن أطمئ ُّن عندما أرى ال ُّرو َح تعم ُل‬                  ‫الإشراقي‪ ،‬ثم استقراري في‬
   ‫والصوفي بخا َّص ٍة وكذا التراث‬                                                             ‫القاهرة‪ ،‬أ َّنني عش ُت في التص ُّوف‬
   ‫المصري القديم رافد ْين مه َّم ْين‬         ‫في القصيدة‪ ،‬وتسن ُدها الخبر ُة‬                      ‫حا ًل قبل أن ي ُكون قراء ًة‪ ،‬ولم‬
   ‫لهم‪ ،‬بل استلهموهما ح َّد النقل‬           ‫والتجرب ُة الشخصية‪ ،‬وما أتي َح‬                   ‫أتشبَّع بعد؛ لأ َّن ال ُّرو َح من فرط ما‬
‫أحيا ًنا من ُدون ذك ٍر للمصدر‪ ،‬وقد‬          ‫لي أن أكتس َب ُه من تجارب الآخر‬                  ‫تحد ُس وترى تكش ُف جدي ًدا‪ ،‬ومن‬
   ‫كشف ْت دراسا ُت الأدب المقارن‬                                                                ‫الخطأ أن نعي َد ونك ِّر َر ما قلناه‬
                                               ‫أينما كان‪ ،‬كما أ َّن التص ُّو َف‬               ‫قب ًل‪ ،‬فمن المُهم أن يك ُت َب ال َّشاع ُر‬
     ‫ذلك في الجامعات الأوروبية‬               ‫مثلما جعلني مستغنيًا متق ِّش ًفا‬                ‫حاله‪ ،‬لا أن يستعي َر حا َل الآخرين‬
     ‫قبل العربية من خلال جهود‬              ‫في الحياة‪ ،‬انسحب ذلك ‪-‬أي ًضا‪-‬‬                           ‫ولغاتهم‪ ،‬وبصراح ٍة أنا أجد‬
                                            ‫إلى القصيدة التي أكت ُب‪ ،‬وصار‬                     ‫حريتي كثي ًرا عندما أكت ُب نفسي‬
       ‫المستشرقين والمستعربين‪.‬‬            ‫اهتمامي بالمت ِن أكثر‪ ،‬كي أص َل إلى‬                    ‫من ُدون أن أتخ َّل عن معارفي‬
   ‫“الول ُه بالتصوف” ش َّدني نحو‬            ‫النقط ِة التي أحاو ُل الذها َب إليها‬                   ‫و ُلغاتي وأحوالي ومجازاتي‬
   ‫الح ْذ ِف في م ْتن الحياة والنص‪،‬‬                                                            ‫وال ُّصور التي تطي ُر في ال َّسموات‬
                                               ‫والنظ َر من بيتها على العالم‪.‬‬
     ‫إ ْذ صر ُت أكثر غرب َل ًة ون ْخ ًل‪،‬‬      ‫التصو ُف أخذني إلى الديانا ِت‬                            ‫التي تظلني أينما كن ُت‪.‬‬
 ‫ُمحبًّا للحكم ِة‪ُ ،‬مختز ًل‪ ،‬باحثًا عن‬    ‫القديمة‪ ،‬وجعلني أق ُف أمام ال ُكتب‬                       ‫ول ِهي بالتص ُّوف ‪-‬الذي هو‬
                                            ‫المق َّدسة البشرية في الحضارات‬                         ‫اب ٌن لوقتي‪ -‬صار طري ًقا له‬
   ‫إيقا ٍع يشب ُه روحي؛ لأ َّنه عندي‬           ‫مثل الصين والهند واليابان‬                       ‫امتدادا ٌت وتفريعا ٌت أخرى‪ ،‬على‬
     ‫هو الأخ ُذ بالحقائق والاعتناء‬                                                              ‫المتل ِّقي والناقد م ًعا أن يكش َفها‬
                                                ‫وأمريكا اللاتينية‪ ،‬وبالطبع‬
                                            ‫الحضارة المصرية؛ التي ذهب ُت‬                                          ‫أو يعي َشها‪،‬‬
                                          ‫إليها ولم أخ ُر ْج من بابها الوسيع‪،‬‬                                  ‫ُخ ُصو ًصا وأنا‬
                                             ‫وأتص َّو ُر أ َّن على الكاتب سواء‬
                                                                                                                 ‫أر ِّبي النف َس‬
                                                                                                           ‫والقل َب وأطهر ُهما؛‬

                                                                                                                ‫كي يكونا مع‬
                                                                                                             ‫ال ُّروحي ويعملا‬
                                                                                                               ‫جنبًا إلى جن ٍب‪،‬‬

                                                                                                                 ‫حي ُث يكتم ُل‬
                                                                                                             ‫المشه ُد مع أنه لا‬
                                                                                                            ‫اكتما َل في الفنون‪،‬‬
                                                                                                              ‫لأ َّن في الاكتمال‬

                                                                                                                       ‫مو ًتا‪.‬‬
                                                                                                            ‫أنا أص ِّفي الباط َن‬
   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211