Page 207 - merit 51
P. 207

‫‪205‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

   ‫يعي ُش في إشبيلية‪ ،‬فهو أي ًضا‬          ‫وينجح ال َّشاعر في إيصال هذه‬            ‫بالباطن والتج ُّرد‪ ،‬فالصوفي كما‬
 ‫كان السبب الأ َّول في تح ُّولي إلى‬       ‫المُتعة الروحية لمن يتل َّقى ن ُّصه‪.‬‬    ‫يراه ذو النون المصري (‪-180‬‬
                                          ‫وكل شاعر يعث ُر على طري ٍق له‪،‬‬
    ‫الإشراق الصوفي‪ ،‬وقد كتب ُت‬          ‫لك َّن الأهم أن ين ِّوع ويحف ُر ويمت ُّد‬  ‫‪ 246‬هجرية‪860 -796 /‬‬
‫كتا ًبا وأنا طال ٌب في الكلية عن ذي‬       ‫ويضي ُف بحيث لا يعو ُد طري ًقا‬          ‫ميلادية) هو “إذا ن َط َق بان منط ُقه‬

   ‫النون المصري‪ ،‬لكنه ُف ِقد مني‬            ‫واح ًدا بل خريطة من الطرق‬             ‫عن الحقائق‪ ،‬وإذا سكت نطق ْت‬
 ‫بعد تخ ُّرجي في الجامعة‪ ،‬لكنَّني‬          ‫المتوازية والمُتداخلة والمُتقاطعة‬      ‫عنه الجوار ُح بقطع العلائق”‪،‬‬
‫خ َّصص ُت بعد ذلك فص ًل ُمط َّو ًل‬        ‫سواء أكانت رئيسة أم فرعية‪.‬‬              ‫وهو بين حالين؛ إما أن يتكلَّم‬
  ‫له في كتابي «سلاطين الوجد‪..‬‬                                                       ‫أو يلزم ال َّصمت‪ ،‬فإن تكلَّم لا‬
‫دولة ال ُحب الصوفي” الذي صدر‬                  ‫أعرف أن (ال َّنفس)‬                   ‫يقو ُل إلا ح ًّقا‪ ،‬أي َينط ُق بلسا ِن‬
 ‫عن الدار المصرية اللبنانية سنة‬               ‫الصوفي في شعرك‪،‬‬                     ‫الحقيق ِة وهو لسا ُن أهل الباطن‪،‬‬
 ‫‪ 2022‬ميلادية‪ ،‬وهو واح ٌد من‬             ‫يرجع أسا ًسا إلى نشأتك‬
                                          ‫في محيط عائلي متشبع‬                        ‫وإن سك َت عن الكلام ن َط َقت‬
    ‫سلسلة ُكتب لي ستصد ُر في‬                 ‫بالصوفية‪ ،‬لكن هل‬                     ‫جوارحه”‪ ،‬وكما يقو ُل أه ُل الوقت‪:‬‬
              ‫«الأدب الصوفي”‪.‬‬             ‫دفعتك صداقتك القوية‬
                                         ‫بالروائي الكبير الراحل‬                   ‫“الصوف ُّي لا ُيكدره شي ٌء ويصفو‬
     ‫فلما التقي ُت جمال الغيطاني‬          ‫جمال الغيطاني في هذا‬                    ‫به كل شيء”‪ ،‬وهو الذي لا ُيطفئ‬
  ‫ُكن ُت جاه ًزا وعائ ًشا في الح ْرف‬     ‫الاتجاه‪ ،‬باعتبار تشبعه‬
‫ال ُّصوفي؛ لكنَّه كان أكثر من دلَّني‬                                               ‫نو ُر معرفته‪ ،‬وهو «من صفا من‬
  ‫وأرشدني إلى ما لم أ ُكن أعر ُف‬                      ‫بها أي ًضا؟‬                    ‫الكدر‪ ،‬وامتلأ من الفكر”‪ ،‬وهو‬
‫في التصوف‪ ،‬وفي التراث العربي‬                                                      ‫ومن لا يتعلَّق‬
‫بشك ٍل عام‪ ،‬وأشه ُد أ َّنني ما رأي ُت‬    ‫عرف ُت التص ُّو َف وعش ُته قبل أن‬             ‫بشي ٍء”‪،‬‬   ‫ُي ْملك‪،‬‬  ‫ولا‬  ‫“لا َيملك‬
‫كاتبًا مصر ًّيا أو عربيًّا يقرأ مثلما‬     ‫آتي إلى القاهرة‪ ،‬في قريتي كفر‬                           ‫يتعل ُق‬   ‫ولا‬  ‫به شي ٌء‬
  ‫كان الغيطاني يقرأ‪ ،‬كما أنه لم‬           ‫المياسرة‪ ،‬حيث الموالد‪ ،‬والطرق‬           ‫فالحال ليست ثابت ًة‪ ،‬وفي هذا‬
‫ي ُكن دلي ًل فقط‪ ،‬بل أهداني الكثي َر‬   ‫الصوفية‪ ،‬وأهل الذ ْكر الذين كانوا‬
                                                                                  ‫«الوله” الذي أشر َت إليه يكو ُن‬
     ‫من ال ُكتب الم ُتون الأساسية‪،‬‬         ‫يف ُدون إلى قريتي من البلدات‬           ‫المر ُء كل يوم في حا ٍل‪ ،‬لأ َّن النف َس‬
‫والتي لا ينبغي الرحيل عن ال ُّدنيا‬     ‫المُجاورة‪ ،‬ومقام سيدي على السقا‬            ‫لا تتك َّرر‪ ،‬ولا تتطاب ُق لغاتها‪ ،‬ربما‬
                                                                                  ‫لا تساع العالم‪ ،‬ور َّبما لأ َّن الباط َن‬
    ‫قبل قراءتها‪ ،‬كما أ َّن قراءتي‬        ‫المُطل على النيل‪ ،‬حي ُث الأساطير‬
    ‫لمخطوطات روايات الغيطاني‬              ‫والكرامات التي ارتبطت به‪ ،‬ثم‬               ‫خ َّزانه ملآ ُن كأنه بح ٌر لا ينف ُد‬
     ‫و ُكتبه قبل نشرها؛ جعلتني‬                                                     ‫إلا بالموت‪ .‬المهم أن تتح َّق ُق المُتع ُة‬
  ‫أذه ُب بعي ًدا نحو المصادر التي‬           ‫بعد ذلك في سنوات الجامعة‬
 ‫كان يتنا ُّص معها أو يعو ُد إليها‪،‬‬        ‫الأربع بسوهاج‪ ،‬حي ُث انتقل ُت‬
    ‫لقد كان كري ًما وسخيًّا معي‪،‬‬        ‫إلى مرتب ٍة أخرى إثر ع ُثوري على‬
   ‫وما خلافاتنا في بعض الوقت‬              ‫ذي النون المصري الذي عاش‬
‫من حياتينا إلا زب ٌد ذه َب‪ ،‬وبقيت‬          ‫في أخميم (سوهاج) وهو من‬
   ‫الصداقة العميقة التي يعر ُفها‬        ‫أبو ْين نوبيين‪ ،‬وإ ْن قد كان سببًا‬
 ‫الجميع‪ ،‬وأراه قد ُظلِ َم‪ ،‬ويحتا ُج‬     ‫في تح َّول محي الدين بن العربي‬
     ‫أد ُب ُه أن ُيقرأ من جدي ٍد‪ ،‬وأن‬     ‫(‪ 640 /560‬هجرية‪/1164 -‬‬
                                       ‫‪ 1242‬ميلادية) عندما كان الأخير‬
       ‫يصدر في طبعات أخرى‪.‬‬

      ‫تجربتك فيها ثلاثة‬
        ‫خطوط متوازية‪:‬‬
   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212