Page 211 - merit 51
P. 211

‫‪209‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

‫والكتابة ونحو نفسي بشك ٍل‬                           ‫أن العقل يشتغل ليجمع الشواهد‬              ‫أن يدرك الكثير من الأمور‪ ،‬لكنَّه‬
                                                    ‫و ُيحلِّلها‪ ،‬بعد أن تكون النفس قد‬         ‫يوقن أنها تشمله بحبِّها كام ًل لا‬
‫خاص‪ ،‬وإعادة قراءة تجربتي على‬                       ‫أدركت أنها لم ت ُعد في مج َّرة الآخر‬        ‫نقصا َن فيه‪ ،‬إضاف ًة إلى المُلاعبة‬
‫ضو ِء الحوار الذي لم ينقطع حتى‬                       ‫الذي فارقها حتى لو كان يقول‬               ‫والمُلاطفة‪ ،‬ومن هنا يتولَّد ال ُحب‬
‫يومنا هذا مع ُشعراء و ُكتَّاب من‬                   ‫غير ذلك‪ ،‬ويمكن لذلك الآخر الذي‬            ‫ويع ُمق ويتعملق ولا يعتريه ذ ُبول‬
                                                     ‫يستمسك بك شفهيًّا فقط‪ ،‬كنوع‬               ‫التب ُّدل‪ ،‬ولا يصيبه عط ُب التغ ُّير‪.‬‬
     ‫مختلف الثقافات‪.‬‬                               ‫من الاستحواذ والاحتفاظ بك‪ ،‬من‬
                                                     ‫باب الوفاء ال َخ ِجل أو من أشياء‬           ‫ولعل ال ُح َّب هو الشيء الوحيد‬
‫وكن ُت أقص ُد قبل خروجي من‬                                                                        ‫في الحياة الذي يقوى بال ُغلو‬
 ‫مصر أن أتع َّرف إلى الثقافات‬                          ‫الماضي‪ ،‬كأنما قد تأ َّصل ْت فيه‬            ‫والإسراف‪ ،‬مقارن ًة بمفردات‬
‫والحضارات الأخرى‪ ،‬حتى في‬                                           ‫غريزة الاقتناء”‪.‬‬
                                                                                               ‫الإنسان الأخرى‪ ،‬إذ يأتي ال ُحب‬
‫أسفار الاستجمام والاسترخاء‬                               ‫لك تجربة عميقة في‬                                          ‫في أولها‪.‬‬
                                                      ‫المشاركة في مهرجانات‬
 ‫والنقاهة‪ ،‬تمن ُحني فرصة الكتابة‬                      ‫الشعر الدولية‪ ،‬كما أن‬                    ‫ولو كان ال ُحب متم ِّكنًا من ُروح‬
‫والقراءة والبحث عمي ًقا في ُروحي‪،‬‬                    ‫لك أصدقاء كثيرين بين‬                        ‫المرء فإنه لا يعرف ال ُفقدان أو‬
                                                      ‫الشعراء في معظم دول‬                    ‫ال ُخسران‪ ،‬ولا يدركه تل ٌف من أي‬
     ‫لقد صر ُت شخ ًصا آخر منذ‬                         ‫العالم‪ ..‬حدثني عن هذا‬                     ‫نوع‪ ،‬ولست ممن يؤمنون بأن‬
‫بدأ ُت رحلاتي الثقافية ُخ ُصو ًصا‬                      ‫الجانب في شخصيتك‪،‬‬                        ‫ال ُحب يحمل داخله بذرة ال ُكره‪،‬‬
  ‫في أمريكا اللاتينية‪ ،‬والولايات‬                                                             ‫لأ َّن من يحب لا يكره‪ ،‬لكنه يرحل‬
                                                           ‫وهل ترك أث ًرا على‬                    ‫في صم ٍت مع كثي ٍر من العتاب‬
‫المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك‪،‬‬                       ‫تجربتك الشعرية من‬                    ‫للآخر‪ ،‬والندم للذات على ما قدمت‬
                                                     ‫حيث الشكل والمضمون؟‬
‫وبالطبع الهند‪ ،‬أما لندن فكانت‬                                                                                  ‫يداها وفعلت‪.‬‬
                                                       ‫أفد ُت كثي ًرا من تجربة ال َّسفر‬        ‫لكن يمكن لل ُكره أن يحمل بذرة‬
‫الأكثر تأثي ًرا في تجربتي‪ ،‬ربما‬                          ‫بشك ٍل عام‪ ،‬إذ منحني وقتًا‬
 ‫لأ َّن رحلاتي امتدت نحو أحد‬                                                                       ‫ال ُحب‪ ،‬ونحن نقول في المثل‬
‫عشر عاما منذ عام ‪.1990‬‬                                 ‫للقراءة العميقة‪ ،‬والإصغاء إلى‬            ‫الشعبي المصري‪( :‬ما محبة إلا‬
                                                    ‫الذات في انفرادها‪ ،‬وابتعادها عن‬
‫فالسفر يبني ال َّشاعر ويجعله في‬                     ‫مشاغل الحياة في الوطن‪ ،‬وال ُبعد‬                              ‫بعد عداوة)‪.‬‬
‫حالة تج ٍّل وصفو طوال الوقت‪،‬‬                                                                     ‫وال ُحب الذي أقصده ليس هو‬
‫وأجمل ما في ال َّسفر أنه ُي ْظ ِه ُر‬                    ‫عن العمل‪ ،‬حيث كان سفري‬                 ‫الإعجاب العارض أو الطارئ أو‬
‫يمظسهتُرت ًرباجدلاا ٍءخليو‪،‬وو ُيضوج ٍعح‪،‬ل‬  ‫ما كان‬  ‫استكشا ًفا وبحثًا وتقصيًّا معرفيًّا‪،‬‬      ‫المؤ َّقت‪ ،‬وليس هو الرغبة الجنسية‬
                                           ‫المخفي‬                                              ‫التي إذا تح َّققت لا تشبع الرغبة‬
‫حي ُث تتب َّدى حقيقتي‪ ،‬ويش ُّف‬                        ‫وكن ُت أعتب ُر كل رحلة سف ٍر لي‬        ‫النفسية؛ لأنه صلة مؤ َّقتة لا دوا َم‬
‫جوهري‪ ،‬وأشر ُق وهذا ما أبتغيه‪.‬‬                        ‫هي بمقام قراءة خمسين كتا ًبا‬              ‫فيها‪ ،‬كما أنها ليست و ْصلا لا‬
‫وسفري إلى المكان الآخر لا‬                                                                      ‫ينقطع‪ ،‬فلا يملأ النفس ويقنعها‬
                                                        ‫أو قل مئة كتاب؛ لأنني كن ُت‬            ‫سوى ال ُحب‪ ،‬وشتَّان بين المقيم‬
‫يتحقق بجسدي فقط‪ ،‬بل بقلبي‬                               ‫محظو ًظا منذ عام ‪ 1987‬بأن‬
‫أي ًضا؛ ولذا تتح َّقق الفائدة‪ .‬وربما‬               ‫التقي ُت كبا َر ُكتَّاب و ُشعراء العالم‪،‬‬                         ‫والعابر‪.‬‬
                                                      ‫وهذا ساعدني على النظر إلى ما‬              ‫ويستطيع المرء بح ِّسه وفطرته‬
‫يكون الشاعر في ذلك الحين في‬                        ‫أكت ُب من جديد‪ ،‬ومراجعة قناعاتي‬            ‫أن يدرك حال الآخر الذي يرتبط‬
                                                                                                 ‫به قلبيًّا‪ ،‬هل هو في ُح ٍّب مقي ٍم‬
‫مقام «الإنسان الكامل” على حد‬                             ‫ورؤاي ونظري نحو العالم‬                ‫أم عار ٍض‪ ،‬ولا يحتاج الأمر إلى‬
                                                                                               ‫جه ٍد ُم َضاع ٍف ليعر َف ذلك‪ ،‬لأن‬
‫تعبير عبد الكريم الجيلي (‪-767‬‬                                                                 ‫إدراك ذلك من أعمال النفس‪ ،‬كما‬

     ‫‪ 826‬هجرية)‪.‬‬
‫وفي أ ِّي مهرجا ٍن دول ٍّي لل ِّشعر في‬
‫العالم يقترب المر ُء من أكبر عد ٍد‬
‫ممكن من ال ُّشعراء من مختلف‬

‫اللغات والجنسيات‪ ،‬ومن هنا‬

   ‫يق ُع التعار ُف الشعر ُّي وتبادل‬
‫الكتب والخبرات والتجارب‪ ،‬وأظن‬
   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216