Page 22 - merit 51
P. 22
العـدد 51 20
مارس ٢٠٢3
بأن تأتي له الدكتورة حنين ،فيستقبلها في حب ،موقنًا الفتان المختفي ،فهي مثل الجن ،لا تظهر إلا حين تريد،
أنها ستغير حياته ،وستمحو كل ما علق من آثار رواء، وتختفي في منتصف الطريق( .ص)42
وتوابع معرفته بها( .ص)232 تخبطاته تقوده إلى بيوت البغاء ،ليذهب إلى بيت أم
وعن بناء الرواية يكاشف السارد قراءه منذ البدء أنه تغريد التي جعلت بيتها ملا ًذا لراغبي التمتع ،و ..وكم
ليس روائيًّا ،وإنما يكتب حالة من الوجد والهيام استبدت كانت المفاجأة أن يسمع علاء من فتاة يعاشرها في بيت
أم تغريد أن الرجل الذي يقيم مع هذه السيدة في بيتها
به ،وليس أمامه مفر إلا البوح بها ،وكما يقول فيما هو أخوها :نصف أطرش ،وثلاثة أرباع أخرس ،بربع
قبل المتن (الاستهلال)« :هكذا أبدأ ،كي لا ألعن أو أبكي عقل ،وربع دين ،مثل خروف ،وأغلب الظن أنه مخصي،
بغضب ،أو أقدم على ارتكاب حماقة مؤسفة؛ بالنقر على وإلا أكل النساء اللائي يفدن على بيت أم تغريد .وكانت
لوحة المفاتيح» (ص ،)2ودو ًما يعيد التنبيه على أنه ينثر المفاجأة أن أم تغريد سحاقية متيمة بالمرأة ،ولديها ابنة،
ما في أعماقه من رغبات واشتهاء وألم الفقدان ،مق ًّرا بأنه اسمها تغريد الحاج ،نصف مجنونة ،بجنون الفنانين
لا يملك مهارات كتابة الرواية ،وإنما هو «أجازف بكتابة والأدباء والموسيقيين ،تعشق السفر ،وتعتمد على أمها
الميسورة في أملاكها في تمويل ما تريد (ص،)77 -73
رواية وما أنا بالروائي المحترف ،واعذروني لأني لا وتخبره «نيرمين» أي ًضا عن تغريد وأن اسم شهرتها
أستطيع إلا أن أكتب تلك الحكاية مستعي ًرا شكل وتقنيات بين الناس هو رواء العطار ،معشوقته القديمة ،وتصفها
بنفس الصفات التي ينعتها بها كل رجل عرفها (ص،)78
فن الرواية» (ص .)21هذا التصريح أشبه بالإقرار بأن تستمر علاقته مع نيرمين ،التي عشقت هي أي ًضا رواء
ما نقرأ ليس إلا حكيًا عن أحداث مرت بحياته ،محورها عش ًقا أنثو ًّيا ،وتروي له «نيرمين» عن علاقتها السحاقية
مع رواء التي أخبرتها عن علاقاتها برجال عديدين منهم
امرأة ،ودافعه لكتابته نفس المرأة .ولكنها في الحقيقة المحامي وأبي غسان ،وعللت رواء ذلك بأن رج ًل واح ًدا
رواية محبوكة ،وإن تخللتها إشارات تؤكد أن المؤلف لا يكفيها (ص ،)99وقد قابل علاء صاحب المطعم أبا
منساق خلف كلماته وحالة الوجد المستبدة به ،فهو مثنى الذي تعرف على نهى (رواء) ،وعاشرها شهو ًرا ثم
يعترف بأنه يكتب بدون ذاكرة مسجلة ،أي يكتب كما تاب وأناب ،وحدثه عن النظرة والجسد ،وأكد له أنه كان
يرد الأمر على خاطره ،معتر ًفا بأن ما يرويه عنها أشبه ضحية من ضحاياها ،وذكر له أن «نيرمين» كانت تأتي
بطلاسم وظلمات يحاول فك غموضها ببروق ضوء التي معها في المطعم ،وأن هناك رجا ًل آخرين عرفوا رواء
وعرفتهم (ص ،)119وأخبره أبو المثنى أن نيرمين عشيقة
هي عباراته التي يختارها (ص.)39 رواء (ص ،)129وهكذا سعى وراء حبه المجنون ،لعله
وقد ظل يردد اسمها الأول رواء ،ولا يعترف بغير يصل إلى فهم حكايتها الممتدة غير المنتهية ،مق ًّرا وهو
الكينونة الأولى التي عشقها عليها .وأن هذه الرواية إن يتتبع آثارها ،أنه سيتعرف على المزيد من رجال بغداد
استحقت صفة رواية تكتب نفسها ،ولا يكتبها المؤلف الذين عرفوها وفتنوا بها ،وقلبت حياتهم .وظلت رواء
(ص ،)49في كسر متعمد لإيهام القارئ ،تجعله يدرك أن تطارده في الأحلام ،تأتيه بهيئات مختلفة ،وكأن حكايتها
السارد يسعى لتقديم حقائق صادمة عن نفسه وروايته. عفريت يتلبسه ،وهو يشرك القارئ معه في تخيل طبيعة
وفي (ص )92يخرج عن إيهامه ومروياته للأحداث،
ويكاد يحطم جهاز الحاسوب ،لأنه ابتعد عن رواء هذا التلبس( .ص)218
العطار ،وحكى عن أخريات وأحداث لا لزوم لها في رأيه، وتتصاعد الأحداث ،لنكتشف في النهاية أن هناك ألاعيب
ولكنها في الحقيقة جزء أساس في بنية السرد. تمت عليه ،منها أن نيرمين كانت عاشقة لطبيب اسمه
لقد انطلقت الأحداث منذ لحظة التوتر الأولى عندما عامر فهيد ،وأنها غادرت إلى استانبول مع أم تغريد،
رأى علاء رواء في ردهات المكتبة ،ومن خلال المعلومات وأن السيدة نوافل الحاج رشيد التي تعرف عليها وشهد
المنثورة في ثنايا السرد عرفنا الكثير عن الاثنين ،وعرفنا مقتلها ودفنها في مقبرة الغزالي ،ويعلم بعد ذلك أنه دفن
كيف يتلوى الحب به ،ويكتشف في كل مرة أن رواء شخصية أخرى باسم مزور لها .ويكون ختام الرواية
قصص ورجال وأحداث ،فكأن البنية أشبه بمن ارتقى
الجبل ،حتى وصل إلى قمته ،ثم عاد يهبط ويصف لنا ما
شاهده من القمة إلى القاع ،ونتعرف أحوال بغداد تحت
القصف والحب.