Page 57 - merit 51
P. 57

‫‪55‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫بل وشهدتها المنطقة العربية‪ ،‬وكان لها ما لها من‬     ‫الأحوال بعد الصراع عن النمطية التي لمسناها في‬
                  ‫إرهاصات سياسية وعسكرية‪.‬‬                                      ‫العديد من الروايات‪.‬‬

    ‫تبدأ الرواية من منتصف الحكي تقريبًا‪ ،‬حينما‬     ‫الصراع ليس جدي ًدا في سرديات الغربي عمران‪ .‬إنه‬
 ‫يمارس الشيخ مرداس ثقافة العنف والعدوان على‬          ‫متأصل في لحمة وسدى كل رواياته‪ ،‬منذ صدور‬
 ‫رعيته من الفلاحين أبناء الوادي‪ ،‬بل يمارسه على‬      ‫روايته الفاتنة مصحف أحمر‪ .‬صراع يبلغ حد قتل‬
 ‫ابنه فيطلق عليه رصاصة الرحمة‪ ،‬ويظهر قسوته‬            ‫الوالد ولده‪ ،‬والتضحية به‪ ،‬والانقضاض علي كل‬
‫غير المبررة على العبيد الذين يعيشون في الأحراش‪،‬‬                       ‫علاقة إنسانية أو علاقة قرابة‪.‬‬
‫وفي الغابات‪ ،‬فالرواية تدور أحداثها في واد خصيب‬       ‫تطالعنا ‪-‬منذ البداية‪ -‬ثورة طبقة الخدم والعبيد‪،‬‬
                                                      ‫تعتمد على وعي أبناء اليمن‪ ،‬لكن يخمد كل وعي‬
    ‫تطل عليه التلال والجبال الوعرة‪ ،‬وكأن الكاتب‬       ‫متمرد واعد بالانقضاض على السلطة‪ ،‬وللأسف‬
   ‫يصدم المتلقي بهذا المشهد العنيف‪ ،‬ليسيطر على‬          ‫فلم تتعلم الثورات التمردية المتوالية من أخطاء‬
‫مشاعره منذ البداية‪ ،‬فيكون رفضه لممارسات هذه‬                ‫السابقين‪ ،‬بل وقعت في براثن التوهم بأنها‬
                                                      ‫صاحبة الحق‪ ،‬ولا بد أن تناله‪ ،‬وأن الصراع مع‬
                        ‫السلطة القمعية البربرية‪.‬‬    ‫السلطة العليا سيصب في النهاية في مصلحة هؤلاء‬
‫يبدو عالم نساء الحصن متمث ًل في حمامة‪ ،‬شبرقة‪،‬‬           ‫المستعبدين‪ ،‬يحدد مصيرهم خطاب السلطات‪،‬‬
                                                     ‫يتلون بمدى امتلاك وسائل اقتناص السلطة‪ ،‬لكن‬
   ‫الزوجة الأولي للشيخ مرداس‪ ،‬وعائشة الزوجة‬            ‫الأهداف واحدة لا تتغير‪ ،‬ومن ثم يرسم السرد‬
‫الثانية‪ ،‬وفاطم ابنة زيد الزوجة الثالثة‪ ،‬لكل واحدة‬      ‫الروائي صورة مفزعة لمصير هؤلاء المهمشيين‬
‫منهن حكاية‪ ،‬إلا أن زوجته الأولى تظل المرأة القوية‬                                    ‫وطبقة الخدام‪.‬‬
‫الحرون‪ ،‬التي أنجبت له الأولاد والبنات‪ ،‬تتحكم في‬
 ‫الحصن كامرأة تشارك زوجها طبقته الاجتماعية‪،‬‬        ‫لقد فشلت الثورات في القضاء علي حكم الإمام الذي‬
  ‫وتعصف بكل خصومها من النساء الآخريات‪ ،‬ثم‬              ‫استندت سلطته ‪-‬كما أوهم شعبه‪ -‬علي المقدس‬
                                                                    ‫الديني‪ ،‬والانتساب إلى آل البيت‪.‬‬
   ‫تعلن في النهاية خصومتها للشيخ مرداس‪ ،‬دون‬
                             ‫الخوف من بطشه‪.‬‬         ‫وإذا كانت الثورة يقودها بطل فرد‪ ،‬فإن المرأة تعد‬
                                                              ‫البطلة‪ ،‬والمحرك الرئيس لهذه الثورات‪.‬‬
‫حمامة التي ام ُت ِهن جسدها‪ ،‬ونتج عن هذا الانتهاك‬
      ‫زهرة كابنة غير شرعية لعنصيف بن الشيخ‬           ‫إن سلطة مرداس تهتز‪ ،‬وتفلت الأمور من يده في‬
                                                   ‫آخر عمره‪ ،‬وبخاصة بعد أن فقد ولديه‪ ،‬وتمرد عليه‬
  ‫مرداس‪ ،‬ورغم ذلك فلا يشفع لحمامة أنها بادلت‬
   ‫الحب سيدها عنصيف‪ ،‬ولم لا وهى التي أوقعته‬                        ‫مستشاره‪ ،‬ونشأ جفاء بينه وبين‬
‫في غواية جسدها؟ كيف يلامس جسد العبدة جسد‬                             ‫زوجته الأولى أم ولديه‪ ،‬فهو في‬
                                                                      ‫نظرها قاتل‪ ،‬لا يستحق الحياة‪.‬‬
                    ‫السيد الحر؟‬                                      ‫هذه الرواية تشير ‪-‬عبر مواقف‬
   ‫أما زهرة ابنة التناقضات‪ ،‬فهي‬
‫تعيش مأزق الهوية‪ .‬ملامحها تدل‬                                      ‫سردية‪ -‬إلى ما حدث عقب اندلاع‬
   ‫علي أنها سليلة الشيخ مرداس‪،‬‬                                        ‫ثورة سبتمبر ‪ ،1962‬وسيطرة‬
    ‫بشرتها بيضاء مثل عنصيف‪،‬‬                                            ‫الضابط جمال الذي يأتي على‬
  ‫وملامحها تشبه جدتها شبرقة‪،‬‬                                         ‫دبابته ليقتحم الحصن‪ ،‬ويصبح‬
                                                                       ‫حصن الزيدي حصن الثورة‪،‬‬
     ‫تظل منبوذة حتي من الخدم‪،‬‬                                        ‫لكن مصيره يظل غائ ًما‪ ،‬الدلالة‬
‫تحمل جرم أمها‪ ،‬إلى أن تهرب من‬
                                                                   ‫واضحة لكل من عاش تلك الفترة‪،‬‬
                       ‫الحصن‪.‬‬                                         ‫فلم يكن اختيار اسم جمال إلا‬
  ‫يغفل الروائى ذكر اسمي ابنتي‬                                          ‫إشارة لأحداث عاشتها اليمن‪،‬‬

     ‫الشيخ مرداس‪ ،‬بل لم نسمع‬
  ‫صوت الابنتين‪ ،‬ولم نتعرف على‬

     ‫دورهما‪ ،‬وتأثيرهما على عالم‬
   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62