Page 54 - merit 51
P. 54
العـدد 51 52
مارس ٢٠٢3
وعيه بسلطة النسخة الأصلية على النسخة الشبيهة، ما جعلنا ننظر إلى هذا العمل الشعري بوصفه حد ًثا
وذلك بإصراره الشديد على أن ينتصر للشبيه شعر ًّيا إنسانيًّا /كونيًّا ،دون مزايدات أو تعصب
المختلف والمنحرف (السيمولاكر). حتى ،إن على مستوى مواجهته لمثالب هوميروس،
إن جمالية السيمولاكر ،في مثالب هوميروس،
تتَّق ُد بالعودة إلى الأسطورة الإغريقية ،باعتبار وهذا لعمري سبق ،أو على مستوى البناء والعمارة.
هذه الأخيرة لغة مسروقة كما يقول بارت دائما: راب ًعا :السيمولاكر السردي وشعرية
«إنها تتميز بتحويل المعنى إلى شكل ،بمعنى آخر. الانحراف
الأسطورة سطو مستمر على اللغة»(.)9 شع ًرا ،من لحظ ِة يتخلَّق السرد في هذا العمل،
للإشارة ،فإن مبحث «شعرية السيمولاكر» في سار ٌد يتهادى بين بني ٍة شديدة التعقد والدلالة.
«مثالب هوميروس» لصلاح بوسريف ،يحتاج إلى
أكثر من دراسة متخصصة ،لما ينطوي عليه هذا الأسطوري والواقعي ،المثالب والحقائق ،التاريخي
العمل من مواجهة صريحة وجريئة بين النموذج/
الأصل والشبيه المنحرف ،بين الإلياذة والأوديسة والآني ،القهر والعدالة ،الموت والحياة ،الأصل
من جهة ومثالب هوميروس من جهة أخرى ،بين والشبيه (السيمولاكر) ..لحظ ٍة برزخية ،لا الحياة
هوميروس نفسه وشاعرنا صلاح بوسريف.
-فيها -أمل ،ولا الموت يأس .إنه نسق سردي ينطلق
عود على بدء
من طوق مقفل ،لتتناسل منه دوائر تتصادى وتتدانى
خاتمة المطاف في هذه المقاربة الخاطفة لعمل الشاعر
صلاح بوسريف الموسوم بـ»مثالب هوميروس» بين الماضي والحاضر ،بين الأسطوري والواقعي .كل
بجزأيه ،تجعلنا نستنتج الاستنتاجات التالية:
في هذا العمل ،يمتلك الشاعر رؤيا مخصوصة، هذه الدوائر تتكتل في دائرة العذاب السيزيفي المتمثل
يشتغل بها وعليها ..رؤيا مشترطة بتفتحها النبوئي في «العود الأبدي» لمصير الإنسان مع تواتر ثنائية
على المستقبل كاشتراط حاسم في الحداثة .لذلك
الخير والشر في دائرة كبيرة تضم السماء والأرض.
تجده ،على مدار العمل ،مشغو ًل بشعرية الرؤيا ولا
شيء غيرها .الكتاب ُة من داخل هذه الشعرية ،شعرن ٌة إنها مواجهة بين ملحمتين :الأصل /الإلياذة
للأحداث ،مبنًى ومعنًى .أحدا ٌث مشعرنة ببهاء رائق،
والأوديسة ،والشبيه /مثالب هوميروس ،في إطار ما
وبشيطنة ومكر فنيين يدفعان الشاعر للإقامة بين
الحدث والنص ،بين الكائن والممكن ،بين الشعر اصطلح على تسميته بعالم «السيمولاكر» الدولوزي.
والنثر.
لقد ظل الشاعر متمس ًكا بالسرد المضاد الرافض إلا أن الشبيه ،هنا (مثالب هوميروس) ،يقوم على
لمعطيات الحاضر المتماهي مع ماض مريض .سر ٌد متأنيًا وظهو ًرا يمثل قدو ًما انحراف جوهري .إنه
متخفف من سرديته الأنالوجية ،ومثق ٌل بلغة مفرطة نفسها. لرواي ٍة أخرى للحكاية
في شاعريتها ،في سياق ما وسمناه سالفا بـ»تسريد
إن السرد ،في مثالب هوميروس ،وإن قام على فكرة
الشعر» و»تشعير السرد».
كما نسجل الانحراف الجوهري للسرد المضاد العودة إلى نفس الحكاية (ملحمتا هوميروس)
عن أصل الحكاية كما وردت في الملحمتين لدى
هوميروس .وهو انتصار ،بالفعل والقوة ،لشعرية كنسخة أصلية ،فإن السيمولاكر السردي عند صلاح
السيمولاكر الدولوزي إيذا ًنا بميثاق تخييلي جديد لم
بوسريف ،سينطوي على قوة إيجابية تنفي ثنائية
يسبق الشاعرَ إليه أحدٌ
الأصل والنسخة ،النموذج والاستنساخ .يتجلى هذا
واض ًحا منذ البداية ،أي منذ العنوان وما ينطوي عليه
من نزعة تصحيحية واضحة :مثالب هوميروس-
نكاية في الآلهة.
ولعل العودة إلى الأسطورة الإغريقية من قبل
شاعرنا ،لا باعتبارها نموذ ًجا ،وإنما من أجل
تقويمها ،لأن الأسطورة ،على كل حال ،كما يقول
رولان بارت ،إنتاج للبداهات التي تبحث« :عن مخرج
لن يكون سوى التطبيع»( ،)8أقول لعل هذه العودة
دليل على مدى وعي الشاعر بما هو مقبل عليه ،وكذا