Page 98 - merit 51
P. 98

‫العـدد ‪51‬‬  ‫‪96‬‬

                                                        ‫مارس ‪٢٠٢3‬‬

 ‫بذور حياة إلا داخلها‪ ،‬لهذا فعندما تتعرض الأنثى‬          ‫هنا نجد كائنًا يصبو لأن يصير ذاته بلا أي تدخل‬
   ‫لتجربة قوية وصعبة مثل فقد الأجنة‪ ،‬الذين هم‬              ‫قاهر لأننا ُنصنع بحالنا التي نجد أنفسنا عليها‪،‬‬
                                                          ‫ثم لا يكون بوسعنا إلا أن نحاول طول عمرنا أن‬
‫صور من روحها وجسدها وأشباه وظلال وامتداد‪،‬‬                   ‫نتواءم مع الأقدار التي لم نخترها هي الأخرى‪،‬‬
      ‫تسعفها الشعرية بأن تستدعي اللعبة القدرية‬             ‫بل اختارتنا هي لنؤدي أدوا ًرا محددة في مشاهد‬
      ‫وتتقاطع معها‪ ،‬فتترك جز ًءا من ذاتها مع كل‬              ‫مختلفة تدور في دوائر لا تتوقف أب ًدا‪ :‬كل بئ ٍر‬
                                                               ‫شربت منها صارت في دمي‪ /‬حتى أصبح‬
 ‫جنين ُف ِق َد‪ ،‬ثم تزرعهم لتنمو هذه البذور في أماكن‬
  ‫عدة لتتوزع ملامحها في كل مكان‪ ،‬وتكون قادرة‬            ‫جسدي خارطة طريق‪ /‬كل علامة فيها هبة ممن‬
   ‫ساعتها على أن تقابل ذاتها دو ًما فلا تضيع منها‬                   ‫عبروا من هنا‪ /‬وشربوا قبلي‪ .‬ص‪.7‬‬
 ‫وتتلاشى ولا تعود‪ ،‬كأنها تعوض ضياع أشباهها‬
   ‫الحقيقيين بصنع ظلال لها و لهم داخلها‪ ،‬في كل‬              ‫هذا الكائن الحساس عندما يتموضع في العالم‪،‬‬
                                                              ‫سواء على هيئة محبوب أو أم أو زوجة‪ ،‬فإن‬
    ‫مكان‪ :‬أطلق ُت اس ًما على كل نطفة أجهضتها‪/‬‬
‫نثر ُتها في تربة مالحة‪ /‬تركتها للطبيعة‪ /‬بذور‬            ‫الأنوثة تظهر بقوة وبلا مواربة ولا حسابات تخص‬
                                                            ‫التعاطي مع تناقضات الثقافة والمجتمع‪-‬كهوية‬
  ‫خلق‪ /‬نزفت وتفتقت زهو ًرا وور ًدا‪ /.‬هي ثمر‬                 ‫نفسية حقيقية‪ ،‬تقودها لتأمل الآخر سواء كان‬
   ‫البطن‪ /‬تقول‪« /:‬في الغد أقطف منها وأتذوق‬                  ‫حبيبًا أو زو ًجا أو طف ًل أو حتى دال الزمن‪-‬ثم‬

                            ‫طعمي»‪ .‬ص‪.10 ،9‬‬                ‫بناء ردود أفعال بناء على حدس داخلي ثابت لكنه‬
    ‫لكن ألا تتمرد الذات وتكون أكثر ثورية وقدرة‬               ‫مضطر أن يكون مراو ًغا وطيِّ ًعا وقاد ًرا على أن‬
 ‫على الفعل‪ ،‬خاصة بعد أن فككت كينونتها وتأملتها‬
     ‫واكتشفت أكثر من منطقة خصبة بالقوة‪ ..‬لقد‬             ‫يتش َّكل المرة بعد الأخرى على مقاس تصرفات هذا‬
     ‫قررت إذن أن تحفر في الأنفاق وأن تعيد رسم‬               ‫الآخر‪ ،‬أ ًيا كان‪ ،‬وأفعاله ودرجة حفره في الروح‬
   ‫الأصل البعيد ُم َمث ًل في ال َجد‪ ،‬وتقرر أن ترد إليه‬                              ‫بإسعادها أو قهرها‪.‬‬
 ‫كل لحظة ألم ذاقتها عن طريق نسله المتوالي‪ ،‬وهي‬                    ‫تعد تجربة الحمل والولادة أم ًرا عضو ًّيا‬
‫منه بالطبع‪ ،‬خاصة أثناء اللحظة المرعبة لاجتماع‬                                ‫وأساسيًّا ومركز ًّيا في تكوين‬
     ‫العالم كله بغاية إفقادها أطفالها‪ ،‬وعندما‬                             ‫وتكرار بعث طاقة الأنوثة داخل‬
‫يتسرب هذا الإحساس لروحها‪ ،‬تدفع بالهررة‬                                     ‫خلجات المرأة‪ ،‬حيث تجمع هذه‬
 ‫الصغيرة‪ ،‬التي هي مخلوقات تجمع بين رقة‬                                   ‫التجربة بين المشاعر المحسوسة‪،‬‬
    ‫الأنوثة وشراستها في آن وربما ترمز لها‬                                 ‫في تجليها الأكثر صد ًقا وحقيق ًة‬
   ‫كذلك‪ ،‬لتمتلك القدرة على الفعل في أقسى‬                                 ‫بالنسبة لهذا الكيان‪ ،‬وبين اللحم‬
‫أشكاله‪ ،‬وتنقض على الظل الكبير للعائلة‬                                             ‫والدم‪ ،‬النبض والتكون‬
‫وتمزقه وتحول كيانه الرمزي الكبير‬                                                     ‫والفيزيقا‪ ،‬وتدشين‬
 ‫إلى مجرد أشلاء و ِم َزق‪ ،‬وكأنها‬                                                      ‫التلاقي بالتالي مع‬
 ‫تذيقه الألم على َم َهل ثم ُتشفي‬                                                             ‫سر الكائن‬
 ‫نفسها منه باستعادته وإبرازه‬                                                                ‫البشري كله‬
 ‫وتجسيده بواقع جديد يخلو‬                                                                    ‫في استمرار‬
     ‫من أية هيمنة‪ :‬بالأمس‬                                                                        ‫النوع‪،‬‬
 ‫حلم ُت أن قططي الإناث‪/‬‬                                                                       ‫المرأة هي‬
‫أنجبت الكثير من الهررة‬                                                                            ‫الإلهة‬
‫الصغيرة‪ /‬رأيتها تلتف‬                                                                          ‫التي تهب‬
    ‫جمي ًعا حول الجسد‬                                                                    ‫الحياة‪ ،‬الأرض‬
‫الميت ل َجدي‪ /،‬ثم بدأت‬                                                                    ‫التي لا تتكون‬
   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103