Page 20 - merit 54
P. 20

‫العـدد ‪54‬‬                                           ‫‪18‬‬

                                                   ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

‫د‪.‬محمد بوشيجة‬

‫(المغرب)*‬

‫انتظام القول الشعري‬

‫ذهن ًّيا في كتاب “المنهاج”‬

‫لحازم القرطاجني‬

‫لم يسائل هذا البحث القضايا المطروحة فيه عن علاقتها بما أُ ْطلِ َق عليه‬

‫قدي ًما‪ :‬الطبع‪ ،‬والسليقة‪ ،‬والصنعة‪ ،‬والسرقات الشعرية‪ ،..‬علما أنها ُط ُر ٌق‬
‫َت َت َحص ُل من خلال القوى الثلاثة‪ ،‬فورود هذه الأخيرة واشتغا ُل َها بانتظا ٍم‬
‫يخل ُق لدى الشاعر َط ْب ًعا وسليق ًة جيدتين‪ ،‬وكلما ثبتت سرق ُت ُه‪ ،‬و ُلو ِحظ‬
‫َعي ُه‪ ،‬فمرد ذلك إلى َض ْع ِف القوى‪ ،‬أو حدوث خلَ ٍل في اشتغالها‪ .‬لم يسائل‬
‫بالدرجة الأولى علاقة “انتظام المعنى ذهنيا” بـ”علم التبالغ”؛ ألا تكون‬
‫القوى الثلاثة المتحدث عنها مرج ًعا يحدد نوع علامة التبالغ مث ًل؟ أو‬
‫منتهى التبالغ‪ ،‬هل هو تام أم بالمشارفة؟ إ ْذ لماذا نحكم على تبالغ ما بأنه‬
‫حق َق الغاي َة المرجوة منه وآخر غير ذلك؟ ِل َم شعوب بعينها راقية في فعل‬
‫التبالغ وأخرى غياب التبالغ هو مصد ُر أزماتها وخلافاتها؟‬

‫والعلائق التي تحصل داخل دماغ الكائن الإنساني‬        ‫التنظي ُر عربيًّا وغربيًّا عن معنى الخطاب‬          ‫كَ ثُرَ‬
 ‫قبل التلفظ بالكلام؟ هل هي ممارسات عادية يمكن‬       ‫وهو متلف ٌظ به أو مكتوب‪ ،‬واع ُتبِر إنتا ًجا‬
‫َو ْس ُمها بالاعتباطية أم أنها تخضع لتفسيرات تجعل‬
                                                         ‫من متكلم إلى متلق‪ ،‬كما أنه (وهو‬
                               ‫منها مادة علمية؟‬       ‫موضوع تبالغ) قد يحصل بالكلام أو‬
     ‫كلها أسئلة‪ ،‬في علاقتها بالخطاب عامة‪ ،‬اشتغل‬      ‫بغيره(‪ .)1‬هذا إلى جانب الاهتمام بكل ما له علاقة‬
  ‫عليها الدارسون حديثًا‪ ،‬ونظروا في العلاقات التي‬     ‫بذلك‪ :‬الخطاب من حيث كو ُنه معنًى‪ ،‬الخطاب من‬
  ‫تربط فروع المعرفة بمستوى فلسفة “فهم وظيفة‬           ‫حيث كو ُنه بنا ًء‪ ،‬الخطاب من حيث كو ُنه أسلو ًبا‪،‬‬
‫الإنتاج الكلامي وتفسير الإجراءات الذهنية المحركة‬   ‫الخطاب وتأويله‪ ،‬الخطاب ومسألة التأثير‪ ،‬الخطاب‬
  ‫له”(‪ ،)2‬ومن هنا اصطلاحات الذاكرة طويلة الأمد‬     ‫ومسألة التغيير‪ ،‬الخطاب وأنواعه‪ ،‬الخطاب وتداخله‬
 ‫والذاكرة قصيرة الأمد والأنساق الذهنية والقوالب‬       ‫مع مفهوم النص‪ ،‬الخطاب والأطراف المشاركة‪..‬‬
   ‫المعرفية‪ ..‬وعلاقة بمنهاج حازم‪ ،‬ذلك ‪-‬ربما‪ -‬ما‬
‫يفسر قوة ارتباطه بابن سينا‪ ،‬الفيلسوف النفساني‬           ‫أما الجهة الأخرى التي يبدو تناولها محتش ًما‬
‫المعروف‪ ،‬ويسوغ كيف أنه يبحث في القوانين الكلية‬           ‫من ِق َب ِل الدارسين فتتعلق بـ”ما قبل التلفظ‬
                                                       ‫بالخطاب”‪ ،‬والقول الشعري وجه من أوجهه‪.‬‬
                   ‫التي تؤسس لنظريات مجردة‪.‬‬            ‫كيف ينتظم القول الشعري ذهنيًّا؟ ما العمليات‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25