Page 23 - merit 54
P. 23
21 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
القول ،تأث َر حازم بالفلاسفة المسلمين ،وما هذا الجانب في مسألة سبك الألفاظ ،وجودتها،
ذهبوا إليه في ذلك من تحديدات .معه (ومعه فقط وتخيرها ،وكيف تكون منط َل ًقا في التفريق بين
الشعراء ،تطرق إليه عديد من النقاد قبل حازم ،من
بخصوص القول الشعري)( )14توضحت معالم هذه جملتهم :ابن سلام الجمحي في طبقاته (232هـ)،
الطريق ،و ُن ِظ َر للقول الشعري في عمليات انتظامه وابن قتيبة في الشعر والشعراء (276هـ) ،وقدامة
ذهنيًّا ،لا فقط في صوره المحققة نظ ًما .فحازم في نقد الشعر (337هـ) ،والآمدي في الموازنة
لنظرته الكلية في ما له علاقة بالقول الشعري (370هـ) ،والجرجاني في الوساطة (392هـ).
هؤلاء بإشاراتهم الضمنية ،وعند بشر بن المعتمر
لم يكتف بالوصف كما ديدن سابقيه؛ إنما عمد في وثيقته (210هـ) ،وابن طباطبا العلوي في عياره
في كثير من القضايا إلى البرهنة ،و َم ْن َط َق ِة (من (322هـ) بإشارات صريحة .يقول هذا الأخير:
المنطق) الأشياء ،ل َي ْح ُص َل التأسيس ِلِنهاج في “قول “فإذا أراد الشاعر بناء قصيدته مخض المعنى الذي
يريد بناء الشعر عليه في فكره نث ًرا ،وأعد له ما
الشعر”. يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه ،والقوافي التي
توافقه ،والوزن الذي يسلس له القول عليه..
القوى المتحدث عنها غي ُرها العوامل التي تحصل وكذلك إذا سهل ألفاظه لم يخلط بها الألفاظ
قبل العمليات الذهنية (المهيئات ،الأدوات ،البواعث)، الوحشية النافرة الصعبة القيادة”( .)11أكثر من
والتي وجدنا لها أث ًرا وتناو ًل ها ًّما من ِق َب ِل النقاد ذلك فكتابه “عيار الشعر” هو مقياس في بحث ما
القدامى .قوى -نعم -تحدث عنها الفلاسفة يجعل هذا الشعر جي ًدا لأن ألفاظه ومعانيه جيدة،
وغير ذلك إذا كانت ألفاظه ومعانيه غير جيدة.
المسلمون ،وأغفل أو تغافل ذلك النقاد العرب؛ هذا بخصوص الأدوات ،أما البواعث فهي عند
اعتقا ًدا -ربما -منهم بأنها لا َتتماس بقو ٍة مع َن ْظ ِم حازم نوعان :معنوية (ما ارتبط في ذلك بالأطراب)،
الشعر ،أو لأنها مرتبطة بما قبل القول الشعري،
ومن َثم فهي لا تعنيهم في شيء! و”كثير من الأطراب إنما يعتري أهل الرحل
ذلك و َعنِ َي به ،بتدقيق بالحنين إلى ما عهدوه ومن فارقوه”( ،)12ومادية
أسا ًسا لا بد من مراعاته حازم غي ُرهم ،تطرق إلى (ما ارتبط منها بالآمال) ،ويحصل ذلك عند “خدام
وتجريد ،و َح ِس َبه جانبًا الدول النافعة”( ،)13أو ما يسمى بشعراء البلاط.
والاحتكام إلى أساساته حين الحكم على جودة :2دور العمليات الذهنية في انتظام المعنى لدى
الشعر من غير ذلك. الشاعر.
إن العمليات الذهنية وهي ُت ْس ِه ُم في إنتاج خطاب ما إذا توفرت كل
(القول الشعري هنا) ،نجد لها اهتما ًما في الضفة العناصر التي نعتها
حازم بالمهيئات
الأخرى ،ولا نقول بذلك إن حازم سباق لهذا النوع والأدوات والبواعث
فإن قول الشعر “لا
من الاشتغال ،وما أتى بعده هو انبناء على تصوره، يكمل على الوجه
المختار إلا بأن تكون
لكن يحق للمتتبع والباحث في هذا الموضوع النظر للشاعر قوة حافظة
وقوة مائزة وقوة
في نقط الالتقاء والتقاطع بين النظ َر ْين؛ وإن اختلفت
المصطلحات والمفاهيم المستعملة للتعبير عن ذلك. صانعة”.
ُتبي ُن هذه القوى
سنحاول بحث هذه المسألة ،وما يتعلق بها، الثلاثة ،كما سبق
باستدعاء ما يناقشه ال ِعل ُم الحدي ُث ،فيما أط َل َق عليه
اسم «العلم المعرفي».
إن تحديد ما يعنيه «العلم المعرفي» أمر في غاية
التعقيد ،لارتباطه بحقول معرفية كثيرة (علم
النفس المعرفي ،واللسانيات ،والأنطولوجيا المعرفية،
والفلسفة ،والذكاء الاصطناعي) ،التي وإن اختلفت
في منطلقاتها ،ففي علاقتها به تلتقي في أنها ُتعنى
بـ»العمليات الآلية لاشتغال الذهن البشري» ،إلى
جانب ذلك هنالك مدخل آخر ُي َعق ُد من تعريف