Page 21 - merit 54
P. 21
19 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
نعوم تشومسكي جيري فودور إن الاعتماد على نظريات غربية في مجال “انتظام
القول ذهن ًّيا” ،والبحث عن اتصال ذلك بما أسس
للوصول إلى كيف ينتظم القول الشعري في ذهن
الشاعر ،وكيف تتأسس المعاني ذهنيًّا قبل التلفظ له حازم قبلها ،لا علاقة له بمذهب الاتباع من
بها ،وهي في أحسن زينة وأبهى حلة ،آثرنا الابتداء عدمه؛ علما أن التلاقح بين الثقافات ،واستفادة
بما ابتدأ به حازم ،ولذلك ما يفسره ،فأن تتشكل بعضها من بعض َلِن بديهيات الأمور ،ومما يفرضه
لدى الشاعر -الإنسان قوة حافظة متميزة ،وقوة عالم الثورة الاتصالية التي شهدها التاريخ الحديث.
مائزة دقيقة ،وقوة صانعة (مخيلة) بديعة ،لا بد أن سؤال :كيف ينتظم المعنى في ذهن الشاعر من خلال
تتوافر لذلك مهيئا ٌت وأدوا ٌت وبواع ُث. كتاب “المنهاج” لحازم؟
:1العوامل الخارجية المسا ِعدة في الانتظام المائز يقول حازم أثناء حديثه عن طرق المعرفة بما توجد
للمعنى في ذهن الشاعر. المعاني معه حاضرة منتظمة في الذهن على ما
:1-1المهيئات. يجب أن يكون من بعض عائد إلى بعض ،وما
به يكون كمال التصرف فيها وفي سائر أركان
المهيئات كما ينظر إليها حازم تحصل من جهتين: هذه الصناعة على المذهب المختار( .يقول)َ “ :لا كان
-ظروف النشأة؛ ذلك أن حازم يعتبر نشوء الشعر لا يتأتى نظ ُمه على أكمل ما يمكن فيه إلا
بحصول ثلاثة أشياء وهي :المهيئات والأدوات
الطفل -الشاعر في ِبيئة تهيأت فيها ظروف جيدة والبواعث (َ )..و َج َب ألا تكمل تلك المهيئات للشاعر
(جغرافيًّا ،ومناخيًّا ،وجماليًّا )..كفيل بأن يجعل
الكلام (القول الشعري) جي ًدا ،وتكون حينها نفسه إلا بطيب البقعة وفصاحة الأمة وكرم الدول
َت َقو َل َبت على قول ما تستطيبه الآذان ،وترتاح إليه ومعاهدة التنقل والرحلة .ولا يكمل لشاعر قول
النفوس ،وتتأثر به العقول ،و َيح ُصل أن يستجيب على الوجه المختار إلا بأن تكون له قوة حافظة
المخا َطب بالفعل إن كان الشاعر للفعل مري ًدا ،أو
وقوة مائزة وقوة صانعة”(.)3
بالترك إن كان في ذلك راغبًا. ليفليوقوجههلذهالحاالشزقعوملرةفييالمفكريتاكابلزهذة،هفجأنًّ،دانفييذتعلتجكنِل َاىيناالل ُشبرْغعاُدج ٌلُاللوكبلرمياغابيل ٌةكذوين
حازم هنا يعود بالشاعر إلى نشأته (أي طفولته)، في تأسيس منطلقات تكون مرج ًعا لتفسير الشعر
ويكون القول الشعري حينها مرتب ًطا بـمرجعيات
الجيد من غير ذلك.
القول ُة فيها شقان أساسان ،أحدهما يفضي إلى
الآخر .الأول قد نجد له اهتما ًما في تراثنا النقدي
العربي ،وتناو ًل بهذه الطريقة أو تلك من ِق َب ِل نقادنا
(ما تعلق من ذلك بالمهيئات والأدوات والبواعث).
أما الثاني فله اهتمام في الضفة الأخرى بشكل يدفع
البعض إلى اعتباره مذهبًا جدي ًدا وبغي ًة في تأسيس
نظرية لها علاقة بالخطاب الذهني والمتعلقات به.
وفي نقدنا الأدبي لا نكاد نعثر إلا على النزر القليل
وبشكل محتشم عن هذا النوع من الاهتمام؛ َو َر َد
عن السكاكي مث ًل حين حديثه عن (الجامع العقلي
والوهمي والخيالي) ،ونقرأه عند حازم أثناء ب ْسط ِه
القو َل عن القوة الحافظة والقوة المائزة والقوة
الصانعة؛ هذه التي تكون طب ًعا من وضع الفلاسفة
المسلمين.