Page 22 - merit 54
P. 22

‫العـدد ‪54‬‬   ‫‪20‬‬

                                                       ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

                                     ‫والبواعث‪.‬‬            ‫زمانية نفسية‪ ،‬تداخلت فيها جوان ُب عديدة عبر‬
  ‫لم يول حازم لهذين المعط َيين الأهمي َة نف َسها التي‬                                       ‫زمن بعيد‪.‬‬
 ‫خصها لمكون المهيئات ضمن هذا الفصل؛ ولذلك ما‬
                                                         ‫‪ -‬الجهة الثانية لها علاقة بالسماع‪ ،‬وحفظ المتون‬
                                        ‫يفسره‪:‬‬             ‫الشعرية الموزونة؛ من خلال مخالطة أصحابها‪،‬‬
      ‫أ‪ -‬من جهة فإنه خصص للأدوات(‪( )5‬الألفاظ‬                                     ‫والاستماع لأشعارهم‪.‬‬
   ‫والمعاني) قس َمين كبي َرين‪ :‬أحدهما يندرج ضمنه‬
  ‫ما نبحثه بخصوص انتظام القول الشعري ذهنيًّا‪.‬‬           ‫إن ما يذهب إليه حازم في هذه النقطة يكون أساس‬
   ‫والثاني أفرد له القسم الثالث بمسمى (المباني)‪،‬‬           ‫أي تفاضل قد يح ُصل لاح ًقا بين الشعراء‪ ،‬مما‬
    ‫وبح َث فيه كل ما له علاقة بالألفاظ سواء تعلق‬
   ‫الأمر في ذلك بـ”قواعد الصناعة النظمية والمآخذ‬       ‫يعني أن حازم وهو يؤسس لهذا التوجه فكأنه يبرر‬
    ‫التي هي مداخل إليها”(‪ ،)6‬أو “الإبانة عن أنماط‬          ‫معطى كون شع ِر شاع ٍر أفضل من شع ِر شاع ٍر‬
   ‫الأوزان في التناسب‪ ،‬والتنبيه على كيفيات مباني‬
   ‫الكلام وعلى القوافي وما يليق بكل وزن منها من‬          ‫آخر؛ لأن التلفظ بالشعر يسبقه انتظامه في الذهن‬
   ‫الأغراض‪ ،‬والإشارة إلى طرف من أحوال القوافي‬                            ‫من خلال الارتكاز على المهيئات‪.‬‬
      ‫وكيفية بناء الكلام عليها”(‪ ،)7‬أو “الإبانة عما‬
  ‫يجب في تقدير الفصول وترتيبها ووصل بعضها‬                 ‫ولعل حازم وهو يؤسس لذلك يتجاوز ما قام به‬
  ‫ببعض وتحسين هيآتها”(‪ ،)8‬ثم أخي ًرا “الإبانة عن‬            ‫ابن سلام الجمحي (‪232‬هـ) الذي اعتمد على‬
    ‫كيفية العمل في إحكام مباني القصائد وتحسين‬
                                                         ‫معايير شكلية وهو يصنف بين الشعراء؛ ومن َثم‬
                                     ‫هيآتها”(‪.)9‬‬          ‫تكون حج ُجه وهو يقدم طبقة على أخرى موضع‬
    ‫تكون هذه المباح ُث (المناهج كما يسميها حازم)‬        ‫تساؤل‪ .‬مثلا؛ “هل يمتلك المعيار الزماني والغزارة‬
                                                       ‫وتعدد الأغراض إمكانيات حقيقية في تبرير ما ذهب‬
      ‫الأربعة المتعلقة بالمباني تتم ًة في بناء التصور‬    ‫إليه؟ (‪ )..‬وهل الغزارة عارية من أي مقياس؟ هل‬
‫التجريدي الكلي (النظام الكلي للقول الشعري)‪ ،‬وهي‬          ‫للانتماء القبلي دور مهيمن وطاغ في الأحكام التي‬
                                                         ‫ذهب إليها ابن سلام؛ حيث ُيثار أنه انتصر لقبائل‬
 ‫رك ٌن من الرك َنين الآخ َرين (المعاني والأساليب(‪))10‬‬  ‫ربيعة‪ ،‬على مضر‪ ،‬دون أن يدعم رأيه بحجج شعرية‬
   ‫تجعل من حازم يؤسس ِ َلا يسمح بالتفريق بين‬
                        ‫الشعر الجيد وغير الجيد‪.‬‬              ‫ملموسة؟ ما السبيل الذي يسلكه حين يواجه‬
                                                            ‫وحدة الزمان والمكان والدين‪ ،‬وهل لذلك صلة‬
                                                       ‫بالجودة؟”(‪ .)4‬هي أسئلة وعوائق ُتط َرح أمام طريقة‬
                                                          ‫تصنيف ابن سلام للشعراء وشعرهم‪ .‬أما حازم‬
                                                        ‫فلأنه مهووس بالتأسيس ِ َلا هو كلي تجاوز ذلك أو‬

                                                                                          ‫غطاه بالعودة‬
                                                                                                ‫بالقول‬

                                                                                            ‫الشعري ِ َلا‬
                                                                                         ‫هو ذهني‪ ،‬و ِ َلا‬

                                                                                           ‫هو مؤسس‬
                                                                                             ‫منذ نشوء‬
                                                                                              ‫الشاعر‪-‬‬
                                                                                             ‫الطفل‪ ،‬إلى‬
                                                                                          ‫بلوغه القدرة‬
                                                                                             ‫على الخلق‬

                                                                                              ‫والإبداع‬
                                                                                              ‫الشعري‪.‬‬
                                                                                         ‫‪ :2-1‬الأدوات‬
   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27