Page 78 - merit 54
P. 78

‫العـدد ‪54‬‬   ‫‪76‬‬

                                                 ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

 ‫تبيض ذهبًا لا يريد ذبحها‪ ،‬هو من ذبحها ملايين‬      ‫وتضرب الباب الحديدي بقوادمها‪ ،‬ومع دخولهما‬
 ‫المرات‪ ،‬آه اللعنة على الماضي! وأشعلت سيجارتها‪،‬‬  ‫الشقة ارتمى كلاهما على أقرب مقعد‪ ،‬وقد انحبست‬
 ‫وارتمت فوق السجادة ودموعها تسبقها‪ ،‬وصورة‬
  ‫الشيخة عزيزة تطاردها‪ ،‬ورائحة بيوت وحواري‬          ‫أنفاسهما وساد السكون قلي ًل وتنفسا الصعداء‪،‬‬
                                                 ‫وضحكا لأن شعر أحدهما لم يزدد بيا ًضا‪ ،‬وتسامرا‬
     ‫عزبة فكيهة تنطلق من رئتيها‪ ،‬ومعها البخور‬
    ‫وصور الأحجبة‪ ،‬وأمها تكتب الطلاسم‪ ،‬وتلقي‬         ‫قلي ًل وكان التعارف سه ًل‪ ،‬فالمسن مدرس اسمه‬
   ‫بأشياء عجيبة في موقد النار‪ ،‬ومسبحتها الهائلة‬     ‫أحمد عبد القوي‪ ،‬كما عرفنا أثناء تحرير محضر‬
    ‫بحباتها السوداء تتأرجح فوق عباءتها‪ ،‬وخالها‬   ‫المشاجرة مع طلبة الإنجليزية‪ ،‬أحيل إلى التقاعد قبل‬
   ‫ينتظر عمله‪ ،‬تصنعت الجهل بما يفعله‪ ،‬هي التي‬    ‫سبع سنوات وانتقل إلى المجاورة ليكون جوار ابنه‪،‬‬
     ‫رأت الكثير‪ ،‬وعاينت ما يحدث‪ ،‬فوجوده علاج‬      ‫رجل بسيط للغاية‪ ،‬يعيش على هامش العالم‪ .‬نسيه‬
‫للعاقر‪ ،‬ومهنته لدى أخته الكبرى هي صنعة الديك‪،‬‬     ‫زملاؤه وتلامذته ونسيهم هو الآخر‪ ،‬ومضى يقنع‬
  ‫بعضكم لا يعرفها والحديث عن تلك المهنة خارج‬         ‫ذاته بحياة دون أزمات‪ ،‬فالمشاكل مرت جميعها‬
   ‫سياق الحدث‪ ،‬فما جدوى وصفها أمام كم هائل‬
    ‫من ضحاياهما‪ ،‬بداية من الدجاجة التي لم تكن‬         ‫ومحنته الكبرى في موت زوجته ووحدته التي‬
‫الضحية بمفردها‪ ،‬وإلى الآن تنظر في وجوه الصبية‬    ‫تؤرقه‪ ،‬ودعوته إلى الصلاة كانت فرصة ليخرج من‬

                                                   ‫عزلته‪ ،‬وقطعت حديثهما طرقات على الباب‪ ،‬خشيا‬
                                                     ‫منها وتبادلا النظرات‪ ،‬ومع رنين الهاتف عرف‬

                                                    ‫رمزي صاحبة اليد التي تطرق الباب‪ ،‬إنها كوثر‪،‬‬
                                                 ‫أحضرت لهما الشاي ومعه حلوى أعدتها بيديها‪ .‬لم‬

                                                   ‫يتمكنا من الرفض‪ ،‬ولم تعبر عتبة الشقة‪ ،‬وعادت‬
                                                      ‫سري ًعا‪ ،‬واختارا الجلوس في الشرفة مع بداية‬

                                                 ‫النهار‪ ،‬وشاهدا الأشجار تتحرك بعشوائية‪ ،‬أو هكذا‬
                                                 ‫صورت خيالاتهما‪ ،‬وتذكر أحمد موعد دواء الضغط‪،‬‬
                                                  ‫ولحسن حظه وجد الشريط في جيب جلبابه‪ ،‬وحين‬

                                                   ‫عادت الطرقات على الباب ارتسم الخجل على وجه‬
                                                                      ‫رمزي‪ ،‬ودار الحوار سري ًعا‪:‬‬
                                                                                ‫‪ -‬يسعد صباحك‪.‬‬

                                                                    ‫‪ -‬أتعبناك ج ًّدا معنا؟ هذا كثير‪.‬‬
                                                             ‫‪ -‬خيركم سابق‪ ،‬وجميلكم على رأسي‪.‬‬

                                                                    ‫‪ -‬أنا محرج من كرمك وتعبك‪.‬‬
                                                                      ‫‪ -‬أختك الصغيرة‪ ،‬يا أستاذ‪.‬‬

                                                      ‫وابتسمت وهي تعود إلى شقتها‪ ،‬ورمزي يقف‬
                                                                ‫متعجبًا مما فعلته‪ ،‬فلم يكن يتوقعه‪.‬‬

                                                  ‫وفي شقتها‪ ،‬ألقت بالروب وتذكرت ملابس ارتدتها‬
                                                   ‫لشهرين رفض أخذ ثمنها؛ ملحفة وكاب وعباءتان‬

                                                     ‫ونقاب عاشت خلفها‪ .‬لقد فضح الأغبياء سرها‪،‬‬
                                                 ‫ومنحهم اللعين عادل أكثر مما أرادوا‪ ،‬كشف حياتها‬

                                                   ‫‪-‬حتى وهو سجين يصر على تحطيمها‪ -‬إنه ألعن‬
                                                      ‫من قابلت‪ ،‬ولا يماثله في خبثه غير خالها الذي‬

                                                   ‫أكمل ما نسيه في زيارته لها والتي لم تكن بريئة‪،‬‬
                                                 ‫ونظرات عينيه تؤكد لها فرحته بالعثور على دجاجة‬
   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83