Page 82 - merit 54
P. 82
العـدد 54 80
يونيو ٢٠٢3
تحضنني عمتي كثي ًرا ،فأنا من ريحة البلاد ،البلاد
التي تبدو جميلة ،لكن مستقبلها موغل بالدم ،تصنع
من أجلي وليمة غداء فاخرة بنكهة النيل .أطير لاح ًقا
إلى ألمانيا ،دسلدورف ،ما زالت بعض اليوروهات في
جيبي ،لكن تلك الجمهورية تتعامل بالمارك ،هل ألقي
بتلك النقود في الراين أم أبيعها لمجانين أمثالي؟!
أتحدث مع أمي عبر هاتف عمومي ،برقم حصلت
عليه من صديق يعيش في برلين ،تقول إن أختي
مريضة ج ًّدا ،وأخي الكبير في قبضة الاحتلال وأبي
نائم .أضحك ،أبكي وأنتظر الصباح ،ثم أسألني:
ما الذي يجري؟! هل أنا ميت ح ًّقا أم أن ما يجري
مجرد أوهام وهلاوس نتيجة عملية إزالة الزائدة
الدودية؟! أتفقد الغرفة ،كأنها تغيرت ،وكذلك
الضيوف.
-حمد لله على السلامة يا رجل ،كدت تموت لولا
رعاية الله ،لقد نجوت بأعجوبة من الشاحنة.
دهشة تتملكني :أين أنا ومن هؤلاء الغرباء الذين
يتحلقون حولي؟ وما قصة الشاحنة؟
-هيا يا عزيزي ،نريد السفر إلى بروكسل برفقة
زوجتك وابنتك.
زوجتي /ابنتي /أنا لم أعد إلى غزة بعد كي أتزوج
من مراهقة تحب الأكشن ،ما زال هناك خمس
سنوات كي أقرر الزواج.
من زاوية الغرفة يهتف أحدهم بنزق:
-انظروا لقد تم تصوير الحادثة بكاميرا ذات تقنية
عالية.
يمنحني أحدهم الكاميرا ،يستفزني الفضول لشيء
لم أسمع به في حياتي السابقة.
-من هذا؟
صمت عميق كأن الدنيا توقفت.
-إنه أنت.
-أناااا.
-هل تمزح؟!
-أرجوكم أحضروا لي المرآة.
المرآة تكذب ،أنا لست أنا ،هذا الشخص لا ينتمي لي.
-أرجوكم من أنتم ،وكيف جئت إلى هنا ،أنا يسري
الغول من مخيم الشاطئ.
تتعالى الأصوات ،تتقلب الوجوه على جمر اللحظة.
-اتصلوا بالطبيب فو ًرا ،يبدو أن فادي فقد