Page 80 - merit 54
P. 80
العـدد 54 78
يونيو ٢٠٢3
يسري الغول
(فلسطين)
حيوات مشبعة بالتيه
*** عدت إلى الحياة مرة أخرى ،صدقوني يا جماعة.
تجرني أمي إلى غرفة الملابس عنوة ،تسب وتلعن اكتشفت ذلك بعد أربع سنوات من ولادتي الجديدة،
الحظ النحس الذي جعلني مختل ًفا عن أقراني، حين توفيت ابنة عمي بحادث أليم ،كأنها بموتها
تعتقد أنني مصاب بالتوحد؛ فماذا أقول لهذه المرأة بعثت في روحي شريط ذكريات أحفظه عن ظهر
قلب ،إنني أعيش في كنف ذات العائلة والأمكنة
عصبية المزاج؟! هل ستفهم كلامي أم إن حديثي
سيزيد من روعها وخوفها عليَّ؟ ثم ماذا ستفعل لو والمواقف ،ولم تتخفف الروح من عبء الجسد
أخبرتها بما سيجري مع إخوتي من مصائب ومع وتطير نحو السماء لتحلق بين النجوم مثلما
أبي من أمراض؟ ربما ستقول إن مس الشيطان اعتقدت ساب ًقا ،كما لم تنتقل لجسد آخر أو حيوان
وحسد الأقارب والجيران لجمال سحنتي ضرب أو حشرة حسبما قرأت في أدب أمريكا اللاتينية قبل
دفني بمقبرة المخيم ،إنني عدت –بشحمي ولحمي-
عقلي وب ُّت مجنو ًنا يجب منعه من الخروج إلى إلى ذات الأحجية ،عدا أن عمري البيولوجي يختلف
المدرسة أو أي مكان آخر ،بل ربما -في لحظة غيظ-
تما ًما عن العمر الزمني الذي أنتمى إليه الآن.
تشي للجارات :أنني طفل مبارك اطلع على الغيب تبدأ قصتي في يوم ميلادي الثالث والستين ،إذ
وعرف من الملائكة خطوب المستقبل؛ فأحس ُن الظن لم أستيقظ كعادتي ،جاءتني سكرة الموت بالحق
فعدت إلى رحاب الله ،حاول ْت حفيدتي إيقاظي
هو أن أتوقف عن ثرثرة ستودي بي إلى الهاوية. دون جدوى ،جاء الأحفاد الآخرون للحصول على
تخبر أمي جارتنا البدينة أنها ستأخذني إلى طبيب
المصروف ،لكن الوفاض خا ٍل من حياة.
نفسي ،الجارة التي تلصص ُت عليها عندما كنت نعم ،كان لد َّي أحفاد ،حيث سيصبح لد َّي
مراه ًقا؛ فأبصرتني دون أن تغضب ،بل صارت -مستقب ًل -زوجة مزعجة وأربعة من الأبناء ،ثم
تتعمد إظهار مفاتنها لي وهي تنشر الغسيل ،لدرجة سبعة أحفاد رائعين ..لكن هل سأقبل بالعودة إلى
أن نسيت القراءة معها ،وبت متي ًما بتفاصيلها في ما كنت عليه ساب ًقا حين أكبر؟ هل سأقبل بالهزائم
التي ُمنيت بها في حياتي القديمة؟ أم سأتجنب كل
الأحلام والكوابيس. الخطايا التي ارتكبتها لحماقتي وسوء تقديري؟!
ستذهب أمي وجارتنا إلى العرافة ثم الشيخ ياسر
والعارف بأمر الله «خالدي» ،أعرف ذلك وأعرف
كل ما سيجري ،سأبتسم في وجوههم وهم