Page 83 - merit 54
P. 83

‫‪81‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصة‬

                                        ‫الذاكرة‪.‬‬
       ‫اللغط والدموع والبكاء يحاصر الأصوات‬

                                  ‫والهمسات‪.‬‬
     ‫‪ -‬أين أبي؟ أريد أبي عبد الرؤوف أرجوكم‪.‬‬

                          ‫‪ -‬أنا هنا يا حبيبي‪.‬‬
                                 ‫‪ -‬من أنت؟!‬

                          ‫‪ -‬أنا أبوك يا ولدي‪.‬‬
    ‫مارة كثر‪ ،‬يلبسون الأبيض‪ ،‬يحملون أجهزة‬

         ‫طبية مختلفة‪ ،‬يتحدثون بلغة لا أعرفها‪:‬‬
‫‪ -‬يبدو أن تعلقه بالأدب وقراءة أعمال الروائيين‬
 ‫الفلسطينيين المحاصرين في غزة أصابه بالخبل‪.‬‬

        ‫‪ -‬لا‪ ،‬لا‪ ،‬ربما وفاة والدته كانت السبب‪.‬‬
     ‫‪ -‬لا يمكن أن يكون فادي بهذا الشكل لولا‬

                      ‫هجران حبيبته الأولى له‪.‬‬
‫‪ -‬صدقوني إنه تحت تأثير المخدر فقط‪ ،‬وسيعود‬

                            ‫لرشده عما قريب‪.‬‬
       ‫‪ -‬يجب على زوجته حمايته من الروايات‬

                             ‫والدراما الزائدة‪.‬‬
‫يخرجون ويبقى ذلك الرجل الغريب‪ ،‬برفقته عدد‬

  ‫من الممرضات ذوات البشرة البيضاء الصافية‪.‬‬
    ‫يحقنونني بمادة غريبة تسرقني من محيطي‬
            ‫لأعود مرة أخرى إلى أبي في المخيم‪.‬‬
               ‫‪ -‬كيفك يا حبيبي؟ أين اختفيت؟‬
                         ‫أبو اليسر وينك يابا؟‬
               ‫رد يا حبيبي‪ ،‬اشتقت لضحكتك‪.‬‬
    ‫ساعات أو أيام‪ ،‬لا أعرف بالضبط‪ ،‬أغيب عن‬
     ‫الوعي مجد ًدا‪ ،‬زوجتي المتشنجة تصرخ في‬
   ‫وجهي أن أترك الهاتف المحمول وأقوم بنشر‬
            ‫الغسيل في حديقة البيت المتواضعة‪.‬‬
   ‫أستيقظ‪ ،‬لا أقوى على الحراك‪ ،‬حولي أحفادي‪،‬‬

 ‫ينتظرون مني مصرو ًفا‪ ،‬أمامي صورة أبي ذات‬
‫اللونين الأبيض والأسود‪ ،‬أقوم نحوها متكئًا على‬

      ‫عكازي‪ ،‬أقبلها وأبكي ثم أغيب عن الوعي‪.‬‬
                                          ‫‪...‬‬

‫فادي‪ ،‬يسري‪ ،‬أبو اليسر‪ ،‬الشيخ الأحمر‪ ،‬الشيخ‬
 ‫ياسر‪ ،‬أبي‪ ،‬أمي‪ ،‬المخيم‪ ،‬بروكسل‪ ،‬دسلدورف‪.‬‬
‫كل ما في الأمر أنني عدت إلى الحياة مرة أخرى‪،‬‬

            ‫دون أن أعرف من أكون أو أين أنا؟‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88