Page 84 - merit 54
P. 84

‫العـدد ‪54‬‬                            ‫‪82‬‬

                                                                ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

‫حسن بوازكارن‬

‫(المغرب)‬

‫السيد «تهميش»‬

  ‫المدينة من مخالب التهميش الذي ينهش كبرياءها‬        ‫جثمت المدينة على القرى قه ًرا ومسختها وحولتها‬
     ‫لعقود ومن خفافيش الظلام المقتاتة من أحلام‬     ‫إلى مكان خارج كل التسميات المتاحة‪ .‬غمامة الغبار‬

  ‫البسطاء المؤودة‪ .‬يعرف أنه لا يملك عصا موسى‬         ‫ربطت السماء بالأرض وضببت الرؤية وصارت‬
    ‫لكنه سيقلب الطاولة على الفاسدين الذين كانوا‬        ‫فيها الحركة كالمشي في حقل ألغام‪ ،‬كسا الغبار‬
                                                        ‫كل شيء وشوه تفاصيلها الصغيرة والكبيرة‬
‫يسكنون أكوا ًخا حقيرة وبين ليلة وضحاها صاروا‬           ‫وصارت كبيدر كبير وشاسع ُجمعت فيه أتربة‬
      ‫يقطنون قصو ًرا فخمة ويستأصل الفساد من‬         ‫الدنيا الواسعة وتم در ُسها وتذري ُتها فتناثرت على‬
                                 ‫جذوره الهشة‪.‬‬          ‫رؤوس المارين والسيارات والمباني والأشجار‪.‬‬
                                                   ‫طرق مشوهة محفوفة بحفر عميقة وآليات عملاقة‬
 ‫لا تفارق كلمة «التهميش» فاهه وبين كلمة وأخرى‬          ‫تشتغل على الدوام ولا تفعل شيء يذكر‪ ،‬غرباء‬
‫يقحمها سواء كانت ملائمة لسياق الكلام أو لم تكن‬     ‫ببطون متدلية وربطات عنق زاهية الألوان يراقبون‬
‫كذلك‪ .‬فهي بالنسبة له الكلمة التي يجب على الألسن‬
                                                          ‫الأشغال في الورق ويسجلون الملاحظات في‬
  ‫أن ترددها صباح مساء وتنشغل بها العقول‪ ،‬إلى‬       ‫مذكراتهم تم يركبون سياراتهم الفخمة ويغادرون‬
    ‫أن تنجلي وتنقشع سحابة الغبار والتهميش عن‬         ‫ويتلاشون في الغبار ويلتهمهم العدم‪ .‬جعلوا عالي‬
  ‫وجه المدينة ويأتي فجر عهد جديد تتحقق فيه كل‬
‫الأحلام الممكنة ويعود عصفور السعادة ليزقزق في‬          ‫المدينة سافلها تحت مسمى «التهيئة الحضرية»‬
   ‫سمائها بعد أن صار مهيض الجناح أو بالأحرى‬          ‫وهي ذلك المخاض العسير الطويل الذي يمكن أن‬
  ‫مكسور الجناحين يلعب به الأطفال‪ .‬اندلقت كلمة‬
‫«التهميش» من فاهه فتلبست كل شيء حوله‪ ،‬طرق‬              ‫تخرج منه بلبوس جديد أو تزداد تهمي ًشا أو لا‬
    ‫محفورة وملتوية‪ ،‬حمير هرمة تتجول بتلكؤ في‬                          ‫تخرج أبدا كسجن خفي أبدي‪.‬‬
  ‫الرصيف‪ ،‬كلاب ضالة ممسوخة وقطط مسعورة‬
    ‫تحوم حول تلال القمامة المتراكمة أمام المنازل‪.‬‬    ‫بقامته الفارعة وجسده الهزيل وبطنه البارزة من‬
                                                     ‫كثرة معاقرة الخمر المحلي الصنع الرديء الجودة‬
      ‫أناس بلباس رث باهت‪ ،‬وعيون تكتم دموعها‬        ‫وبرأسه الذي كساه الشيب والغبار ووجهه الأسمر‬
‫وتسير مرغمة إلى مصيرها المجهول‪ ..‬المدينة تدثرت‬
                                                        ‫المجعد الذي تعلوه مسحة من غباء لا تخطئها‬
                            ‫رداء الحزن الأسود‪.‬‬     ‫العين‪ ،‬يتجول السيد «التهميش» في المدينة الصغيرة‬
     ‫أسس جمعية وهمية بلا أعضاء حقيقيين‪ ،‬هو‬
  ‫الرئيس وأهواؤه هي الأعضاء المتبقية‪ ،‬ولها هدف‬         ‫جيئة وذها ًبا متأب ًطا مل ًّفا ر ًّثا باهتًا متلاشيًا من‬
‫واحد هو أن يقحمها في الحديث لتهديد أحدهم بأنه‬           ‫كثرة الاستعمال‪ ،‬يحتوي على أوراق مهمة كما‬
   ‫ينتمي لجمعية ذات مكانة جمعوية رفيعة يراسل‬         ‫يقول دائ ًما‪ .‬سيد المأساة الكبرى‪ ،‬يتجول ويوزع‬
                                                       ‫«الوعي» على الرعاع الأشقياء ليزيل عن أعينهم‬
                         ‫عبرها المسؤولين الكبار‪.‬‬    ‫غشاوة الجهل كما ي َّدعي دائ ًما‪ ،‬محمول على جناح‬
‫عند بناية مهمشة تعلوها يافطة ُكتب عليها «مجزرة‬     ‫قل ٍق وجودي وه ٍّم لا يشاركه فيه أحد وهو تخليص‬
   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89