Page 89 - merit 54
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصة‬

                                                            ‫غادة منصور‬

    ‫ليلة اكتمل فيها القمر‬

  ‫قلبي إلى دفنها بجانب الشجرة التي توجد أسفل‬                ‫إن سألت شخ ًصا ما كيف ُتف ِّضل النوم في سري ٍرك؟‬
                                                                  ‫ربما سيخبرك بأن يكون السرير لي أنا فقط‪،‬‬
                           ‫المبنى الذي أعيش به‪.‬‬
                                                                ‫أو ُر َّبما تقول لك السيِّدة بين ذراعي حبيبي‪ ،‬أو‬
‫كانت تلك الم َّرة الأولى التي أقوم فيها بدفن أحدهم‪،‬‬         ‫سيقول لك الطفل بجوار أُمي‪ ،‬حت ًما ستكون الإجابة‬
     ‫لم أتوقف يو ًما عن َشكر ال َق َدر الذي جعلني لا‬
                                                                ‫إ َّما وحي ًدا أو بجوار إنسان آخر‪ ،‬ولكن بالنسبة‬
 ‫أختبر هذه اللحظات عند رحيل أمي ووالدي‪ ،‬ففي‬                     ‫لي كنت واحدة من تلك الفئة القليلة التي ُتف ِسح‬
   ‫الم َّرة الأولى تل َّقيت اتصا ًل لم يخ ُل في البداية من‬      ‫لحيوانا ِتها الأليفة مكا ًنا بجوارها‪ ،‬فأنام بجا ِنب‬
                                                              ‫قطتي‪ ،‬احتضنها بك ِّفي الكبير ف ُتميل برأسها عليه‬
‫نحيب أختي حتى َج َمعت أنفا َسها لتقول لي «إلحقي‬                  ‫وتنام آ ِمنة دافئة‪ .‬لا أعلم َم ْن ِمنَّا كانت تطمئن‬
‫ماما ماتت»‪ ،‬والم َّرة الأخرى عندما أرسلت لي رسالة‬           ‫لوجود الأخرى‪ ،‬ولكنني في ذلك التوقيت كنت أشعر‬

      ‫قرأتها في وقت ُمتأ ِّخر تخبرني فيها «خلاص‬                            ‫بأنني أحيا‪ ..‬حتَّى حدث ما أخشاه‪.‬‬
 ‫بقينا لوحدينا‪ ،»..‬وبالطبع أوجدت ال ُحجج لأتغيَّب‬              ‫لم أكن قد اسيقظت بشكل كامل بعد‪ ،‬ولكن كنت‬
  ‫عن المنزل حتَّى ِبدء العزاء‪ ،‬لا أ ُن ِكر أنني على مدار‬       ‫أشعر بأن «ريتا» لم تتح َّرك منذ فترة طويلة على‬
 ‫السنوات الماضية لم أتلق اللوم من العائلتين لعدم‬             ‫غير عادتها‪ ،‬لم أجرؤ على فتح عين َّي ولكنني م َّررت‬
                                                             ‫يدي عليها كي أستشعر حركة أنفاسها‪ ،‬كان يزداد‬
     ‫وجودي في مثل تلك الظروف‪ ،‬بل واتهامي في‬                     ‫خفقان قلبي بسرعة جنونية وأفشل في الشعور‬
                                                              ‫بحركة أنفاسها‪ ،‬حتَّى تو َّقف الوقت حينما أدركت‬
 ‫بعض الأحيان بالته ُّرب من المسئولية ومع ذلك لم‬
‫أقتنع يو ًما برحيلهما‪ ،‬في الحقيقة لم أؤمن إلا بوفاة‬               ‫حدوث ما لم أكن أب ًدا على استعدا ٍد لمواجهته‪،‬‬
                                                            ‫احتضنتها بق َّوة وضممتها أكثر بال ُقرب من صدري‪،‬‬
               ‫قطتي‪ ..‬فأنا من واريتها في التراب‪.‬‬
  ‫عندئذ تملَّكني الحنين بش َّدة‪ ،‬وعرفت أنني صرت‬               ‫وصرت أُقبِّلها ِبش َّدة دون تو ُّقف عن ال ُبكاء‪ .‬تطلَّب‬
                                                                ‫مني الأمر ع َّدة ساعات حتى ت َّفهمت أنني يجب‬
    ‫أغرق عمي ًقا في أحزاني‪ ،‬أُطا ِرد ماضي لن يعود‬
                                                               ‫أن أقوم بنقلها إلى مكان آخر غير سريري‪ ،‬مكان‬
    ‫يو ًما‪ ،‬أتمنَّى عودة شخص أو شيء ما أعلم أن‬              ‫‪-‬يقبع ُرغ ًما عنَّي‪ -‬خارج حدود منزلي‪ ،‬حتَّى اهتدى‬
  ‫وجوده صار سرا ًبا في واقعي وذكرى في ماض َّي‬

      ‫ومستحي ًل في مستقبلي‪ ،‬يسيطر عليَّ الشعور‬

                          ‫باليأس وفقدان الأمل‪.‬‬
     ‫بقيت في ُغرفة مظلِمة لا أخرج منها إلا ُمر َغمة‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94