Page 91 - merit 54
P. 91

‫‪89‬‬   ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصة‬

‫نؤسس ما لا َنجده‪ ،‬كنا نؤمن أنه يمكننا أن َنق ِهر‬         ‫حينما ينكشف أمرنا أو نقترب من خسارة شخص‬

‫أي حدود ُتر َسم لأحلامنا‪ ،‬كنا ُنر ِّدد «ما تسعى إليه‬     ‫أو شيء عزيز‪ ،‬تعود البراءة مع صفاء القلب حينما‬
‫يسعى إليك»‪ ،‬فنتنافس على نشر الطاقة الإيجابية‬             ‫نكون على ِفراش المرض ويختفي الشر كأننا لم‬

     ‫في صفحاتنا الشخصية على مواقع التواصل‬                ‫نعهده من قبل‪ ،‬أ َّما بالنسبة لي فتج َّل اندهاشي في‬

‫الاجتماعي‪ ،‬نتغنَّى بـ»احلم معايا» فيزداد حماسنا‬          ‫هذه الليلة حينما أدركت أنني لا أتمنَّى لحياتي أن‬
‫للاتجاه نحو الغد إذا لم يأ ِت‪ ،‬ولكن مع بدايات العقد‬
                                                         ‫تنتهي‪ ،‬وأنني أريد بش َّدة أن أصارع من أجل كل‬
‫الثالث َو َجدنا أن كل انتصار صغير على المستوى‬            ‫دقيقة ُيمكنني أن أحياها‪ ،‬لا أريد أن يفوتني الشعور‬
‫الشخصي نسعى لتحقيقه يتطلَّب سلسلة طويلة‬                    ‫بال ُكره وال ُحب‪ ،‬بالخوف والأمان‪ ،‬بالألم والتعافي‪،‬‬
‫من المساومات والمُشاحنات فنتَّ ِجه نحو الصراعات‬             ‫لا أريد أن أموت بدون أن أحيا‪ ،‬ولكي أُق ِّدر قيمة‬
‫وتضربنا الانهزامات فنعود إلى النِزاعات م َّرة أُخرى‬
  ‫لنحقق ما نرغبه‪ ،‬والمُفاجأة أننا نتصارع من أجل‬          ‫الحياة كان لا ُبد من أن أ ُمر بهذه الموتة ال ُصغرى‪،‬‬
‫أن نكون أن ُف ِسنا فقط‪ ،‬وأن تتسق أفعالنا مع أفكارنا‬      ‫هذا ما عرفته عن نفسي في تلك الليلة قبل أن يأتي‬
                                                         ‫المُدير التنفيذي للشركة التي أعمل بها و ُيعيدني‬
    ‫الشخصيَّة لنكون أسوياء نفعل ما نؤمن به‪.‬‬              ‫إلى الواقع م َّرة أُخرى وهو يسألني بإصرار إن‬
‫قرر الكثير ِمنَّا ألا يضيِّع وقتًا من أجل الحصول‬         ‫أتق َّدم بطلب أجازة عا ًما‬  ‫كان ُهناك خطب ما جعلني‬
‫على الراحة‪ ،‬واتجهنا نحو سوق ال َع َمل‪ ،‬وارتضينا‬          ‫ظنًّا منه أنني سأستغل‬       ‫بدون راتب‪ ،‬و َض ِحك معي‬
‫ارتداء الس َّماعة مؤقتًا‪ ،‬فهي العمل الأكثر انتشا ًرا‬
‫والخطوة الأولى نحو استقلالنا المادي او تح ُّملنا‬         ‫هذه الأجازة في البحث عن عمل خارج البلاد‪.‬‬
                                                         ‫لم َي ُكن من ذلك النوع المُتط ِّفل المنتشر في معظم‬
‫المسئولية‪ُ ،‬نج ِّرب ونحاول أن نتعايش ولكن ُيد ِرك‬        ‫الشركات‪ ،‬الذي لا يوافق لموظفيه على أجازة إلا بعد‬
 ‫البعض أنه ليس المكان المُناسب له‪ ،‬فيعود يتذ َّكر‬
                                                         ‫توضيح الغرض منها‪ ،‬بل واقتناعه بالسبب‪ ،‬ولكنَّه‬
‫أحلام فترة الجامعة‪ ،‬وإلى أي َم َدى َر َغب طالب كلية‬      ‫أراد فقط أن يطمئن أنني بخير‪ ،‬كان حديثًا ُممتِ ًعا‬
‫التجارة في أن يكون صحفيًّا يو ًما ما‪ ،‬أو خريج كلية‬       ‫انتهى بترحيبه بعودتي إلى العمل في أي وقت في‬
‫الحقوق في أن يصير مبرم ًجا بد ًل من اختيار مسار‬
‫المُحاماه‪ ،‬وحينما ي َت ِجه نحو تحقيق أحلامه يجد أنه‬                                  ‫حالة تغ ٌّير خططي‪.‬‬
                                                         ‫وانتهى الحفل‪ ،‬و ُعدت إلى المنزل‪ ،‬التقطت هاتفي‬
‫على‬  ‫التدريب‪ ،‬وأنه لن يحصل‬    ‫ُمس َّمى‬   ‫سيعمل تحت‬       ‫وتف َّقدت تعليقات الأصدقاء على المقاطع والصور‬
‫أنه‬  ‫وعند لحظة صادمة ُيد ِرك‬  ‫التعلُّم‪،‬‬  ‫را ِتب بدعوى‬    ‫التي ُقمت بمشار ِكتها الليله‪ ،‬ثم وجدت رسالة من‬
                                                         ‫صديقتي المُها ِجرة تسألني فيها‪ :‬هل ُقم ِت بإخبار‬
‫اجتاز الخامسة والعشرين بدون أن يكون مستق ًّرا‬
‫في عمل ما‪ ،‬فيبدأ في البحث من جديد حتى يهتدي‬                                          ‫أحد عن عمليَّة الغد؟!‬

‫إلى ضالته التي لم ينو البحث عنها يو ًما ويتَّخذها‬        ‫أرسلت‪ :‬عملية الغد‪ ..‬عملية الغد‪ ،‬اللعنة على‬
                           ‫َنق َطة بداية جديدة‪.‬‬
     ‫و ِمن نقطة البداية الجديدة ُتزا ِوله أحلامه بين‬     ‫عملية الغد! لا‪ ،‬لم ولن أخبر أح ًدا! و ُقمت بتعطيل‬
                                                         ‫حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي وإغلاق‬
    ‫الحين والآخر‪ ،‬ف ُيقرر أن يستغل راتبه أو وقته‬
   ‫في أخذ ما يحتاجه من الدورات كي ُيحقق شغ ًفا‬           ‫هاتفي‪ ،‬فال َغد هو شبحي الأضخم الذي يحاوطني‪،‬‬
  ‫قدي ًما أو هد ًفا جدي ًدا‪ ،‬ولكنَّه يصطدم م َّرة أخرى‬   ‫سبب الأرق الأقوى كي يعاودني! أه ًل بليلة جديدة‬
‫بق َّوة أكبر منه ُتح ِّجم أحلامه‪ ،‬فلا يص ُمد راتبه أمام‬    ‫لن أتذ َّوق فيها النوم! لماذا؟ لأنني س ُأف ِّكر في كل‬
  ‫ارتفاع الأسعار مع توفيق احتياجاته الشخصيَّة‪،‬‬                                  ‫شئ ُير ِه َقني‪ ،‬و ُيرعبني!‬
   ‫وأصبح اقتطاع جزء من الرا ِتب من أجل الوفاء‬
                                                            ‫تساؤلات كثيرة‪ ،‬أولها لماذا َع ِرف جيلنا المُ َعا َناه‬
‫بالديون وليس من أجل توفير تكلفة رحلة سنوية‬               ‫ُمب ِّك ًرا؟ في نهاية العقد الثاني من أعمارنا كنا نعتقد‬

‫للحصول على بعض من الراحة النفسيَّة‪ ،‬أو لأخذ‬                ‫أننا قادرين على َخلق التغيير الذي طالما تمنيناه‪،‬‬

                                                         ‫فنتَّ ِجه نحو الكيانات التي تتوافق مع أفكارنا أو‬
‫شهادة رسمية في مجال عمله‪ ،‬أو حتى للادخار من‬              ‫إعما ًل لمبدأ «كن أنت التغيير الذي ترغب في أن تراه»‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96