Page 95 - merit 54
P. 95

‫‪93‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصة‬

    ‫سأتقبَّل نصف الأنثى التي سأصير عليها؟ وفي‬                ‫على وشك اتخاذه بعد عدم الرد على صديقتي‪.‬‬
  ‫حالة الموت‪ ..‬ثم تو َّقف عقلي وقلت‪ :‬ما هذا! الموت!‬     ‫طلبت سيارة‪ ،‬وذهبت إلى المستشفى‪ ،‬ولو كنت أعلم‬

     ‫هذه الكلمة لم ُتد َرج من قبل على قائمتي! لست‬         ‫أنني سأنتظر هذه المُ َّدة لما ترددت في تناول كوب‬
   ‫مستع َّدة بالطبع! هناك الكثير مما لم أحققه حتى‬           ‫من القهوة هذا الصباح‪ .‬انتهت أخي ًرا الإجراءات‬
   ‫اليوم! هناك سعادة أبحث عنها ولم أجدها! ُهناك‬             ‫الورقيَّة‪ ،‬وذهبت إلى تلك الغرفة لأتح َّضر لما هو‬
 ‫ُحب لم استطع الوصول إليه! أنا باختصار أريد أن‬
                                                              ‫قا ِدم‪ ،‬سألتني الممرضة‪ :‬هل هناك أح ٌد معك؟‬
                           ‫أحيا‪ ..‬وأدمعت عيناي‪.‬‬         ‫كان سؤالها هو طع َنة السكين التي انتظرتها منذ ان‬
       ‫وصلت إلى غرفة العمليات‪ ،‬وانتقلت إلى هذه‬
    ‫الطاولة التي سيشهد كل من حولها في ساعات‬                                        ‫أقبلت عليَّ‪ ،‬أجبتها‪ :‬لا‪.‬‬
     ‫جميع المفاهيم التي تأخذ منَّا سنوات في إدراك‬         ‫وبعد عدة ثوان قلت‪ :‬ولكن أحدهم سيأتي لاح ًقا‪.‬‬
  ‫ماهيتها الحقيقية‪ ،‬الشعور بالأمان حيث كل شيء‬               ‫أسرعت وقمت بإعادة تشغيل هاتفي والاتصال‬
     ‫يصير كما ُخ ِّطط له‪ ،‬والخوف لخطأ طبي ما أو‬            ‫بصديقتي‪ ،‬وبكيت ك ُسحب أثقلتها كثافتها فبدأت‬
    ‫لرغبة جسدي في مفاجأتهم بشيء غير متو َّقع‪،‬‬            ‫في هطول الأمطار‪ ،‬وأخبرتها أنني لا أريد أن أكون‬
   ‫فرحة الج َّراح بأنامله الرقيقة وهي تشق جسدي‬           ‫وحيدة! بل إنني أخاف الوحدة بالرغم من تعايشي‬
‫كفرحة عازف البيانو وهي تنتقل أصابعه بخ َّفة بين‬
‫مفاتيحه المختلفة‪ ،‬الشعور بالأمل في نجاح الجراحة‬             ‫معها‪ ،‬ولكنني لا أستطيع الاتصال بأي شخص‬
‫والخيبة إذا فشلت‪ ،‬الفرح بحياتي‪ ،‬والحزن في حالة‬          ‫لسؤاله عن مدى قدرته على القدوم لي‪ ،‬ساعدتني في‬
    ‫موتي بالطبع ليس لخسارتي أنا شخصيًّا ولكن‬
       ‫لخسارتهم حالة أخرى تضاف إلى سابقيها‪.‬‬               ‫سرد بعض الأسماء التي أقدر على طلب المساعدة‬
 ‫يا إلهي! دائ ًما ما تراودني هذه الرؤيا‪ ،‬أرى نفسي‬              ‫منهم‪ ،‬اعتقدت في البداية أنني أستطيع كتابة‬
   ‫على طاولة الإنعاش‪ ،‬كل من حولي يبذلون أقصى‬
     ‫جهودهم لإنقاذ قلبي‪ ،‬ولكن بدون أمل‪ .‬أحاول‬               ‫قائمة بهم ولكن بعد عدة لحظات من التفكير لم‬
   ‫أن أسيطر على قلبي وأجعله يعود إلى الحياة م َّرة‬       ‫أستطع الاستقرار على اسم واحد‪ ،‬فبعض التجارب‬
    ‫أخرى ولكن دون جدوى‪ ،‬فاستجمع كل طاقتي‬                ‫الشخصية تجعلنا نخاف أن نتع َّرى فتتبيَّن حقيقتنا‬
   ‫ل ُتغا ِدر روحي من جسدي لأقل من ثانية وتذهب‬          ‫وينجلي ضعفنا ونصير ضحايا لتوقعاتنا ومواجهة‬
    ‫إلى أقرب الأشخاص إل َّي ل ُتل ِه َمه أن يقتحم غرفة‬   ‫ما قد نخشاه‪ .‬أعدنا التفكير سو ًّيا واستقرت كلتانا‬
  ‫العناية‪ ،‬و ُيم ِسك بيد َّي فيدفع قلبي لمواصلة نبضه‬
    ‫ثم تعود روحي إلى جسدي م َّرة أخرى لننهض‬                            ‫على ضرورة الاتصال بـ «إسلام»‪.‬‬
 ‫سو ًّيا من جديد‪ ،‬أعلم أنني سأفعلها وأسترد وعيي‬         ‫ب َّدلت ملابسي بهذه الخضراء‪ ،‬لم أتم َّدد على السرير‬
‫ثاني ًة لو أن أحدهم حاول بصدق أن يحبني‪ ،‬ولو أن‬          ‫وف َّضلت البقاء جالِسة‪ ،‬حتَّى أق َد َمت سيدتين وطلبت‬
‫أحدهم حاول بصدق إنعاشي وصارت الساعة التي‬                 ‫منَّي إحداهما أن أنام كي يبدآ في التحرك بالسرير‪،‬‬
‫يجب أن يعطيها لي ساعتين؛ لأنه قرر في لحظة غير‬
   ‫منطقيَّة أن حدسه ربما يكون صحي ًحا هذه الم َّرة‪.‬‬          ‫وب ُمج َّرد انتقالي إلى الجا ِنب الخاص بالعمليات‬
‫أعلم أنني سأنجو‪ ،‬ولكن في ظل غيابي المؤقت أخاف‬           ‫الداخلية‪ ،‬شيَّعت العالم الخارجي وأعدت التفكير في‬

           ‫أن أُه َزم لغياب تلك المحاولات الصا ِدقة‪.‬‬                                     ‫معنى المجهول‪.‬‬
‫تد َّخل طبيب التخدير في الوقت المناسب‪ ،‬وطلب مني‬              ‫رغم أن المجهول حاضر في كل الحالات إلا أن‬
                                                              ‫الخاص بالعالم الخارجي كان أكثر رحمة من‬
  ‫أن أقوم بالعد إلى عشرة‪ ،‬لا أظن أنني وصلت إلى‬              ‫مجهول ذلك العالم الذي كنت على وشك الإقبال‬
   ‫رقم ثلاثة‪ ،‬ولكن أعتقد أن آخر ما ف َّكرت فيه‪ ،‬إن‬           ‫عليه‪ ،‬ففي الخارج تك ُثر ال َح َركة‪ ،‬ونكون يوميًّا‬
                                                         ‫أمام العشرات من القرارات‪ ،‬ومع كثرة الاحتمالات‬
      ‫كان الموت هو الاحتمال الآخر؛ فلأتقبله إذن‪.‬‬            ‫والاختيارات السريعة وتسا ُرع وتيرة الأحداث‬
                                                              ‫تضيع قيمة معنى الخوف من المجهول‪ ،‬وبعد‬
                                                            ‫مروري من تلك البوابة كان لذلك الخوف قيمة‬
                                                           ‫كبيرة في وجداني‪ ،‬فأنا أمام مصيرين رئيسيين‬
                                                            ‫فقط‪ :‬إما الحياة أو الموت‪ ،‬وفي حالة الحياة كيف‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100