Page 97 - merit 54
P. 97

‫‪95‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصة‬

    ‫الحقيقي‪ ،‬نعم هذه الم َّرة انضمت جميع مخاوفي‬                                         ‫دخل وعلى وجهه علامات الهلع مختلطة بالقلق‪،‬‬
‫وك َّونت حش ًدا هزمني هزيمة نكراء‪ ،‬كنت أكره المرآه‬                                     ‫والتي فشل بوضوح في اخفائها‪ ،‬وعاتبني بش َّدة‬
 ‫والاستحمام وتبديل ملابسي ومشاهدة صدرياتي‬                                            ‫على مجيئي وحدي وعدم إخباره بالعملية‪ ،‬وتع َّجب‬
                                                                                      ‫من كيفية أن نكون أصدقاء من المفترض أن ُنق َّدم‬
   ‫القديمة‪ ،‬وكل ما يجعلني أتع َّرى فأوا ِجه الحقيقة‬                                   ‫الدعم لبعضنا الآخر ولكن بد ًل من ذلك ُنق ِدم على‬
‫التي أصبحت عليها‪ ،‬واقع أنني لم أ ُعد أنثى مكتملة‪،‬‬                                      ‫أكثر الخطوات خطورة بمفردنا‪ .‬شعر بالاستياء‪،‬‬
‫لطالما كان الوصول إلى الكمال غايتي في كل جوانب‬                                         ‫وشعرت معه ِب َلوم نفسي على ذلك الاختيار‪ ،‬فقد‬
                                                                                       ‫كان ُم ِح ًّقا‪ ،‬فأنا َم ْن أق ِّدر الصداقة وأجعلها دائ ًما‬
             ‫حياتي التي لم أنجح في تحقيقها أب ًدا‪.‬‬                                     ‫في المركز الأول على قائمتي في الوقت الذي يضع‬
   ‫كان وجود إسلام معي منذ ذلك اليوم هو المنحة‬                                          ‫فيه الآخرون عائلاتهم في المركز ذاته‪ ،‬ولكن كان‬
‫التي أهدتني إياها الحياة‪ ،‬فتو َّل أمر المُمرضة لتكون‬                                   ‫لا يزال بداخلي هذا الجزء حينما أ َّتخذت قراري‪،‬‬
    ‫معي في الأوقات التي لا تستطيع ُمسا َندة المرأة‬                                      ‫هذا الجزء الذي يرتبط بعدم تق ٌّبلي أن ُيشاهدني‬
  ‫إلا امرأة أخرى‪ ،‬واهتم بإعداد الطعام والقدوم إلى‬                                      ‫أحدهم ضعيفة‪ ،‬فا ِقدة الثقة بذاتي‪ ،‬تائهة لا أعلم‬
 ‫منزلي فصرنا نتناول وجباتنا سو ًّيا حينما سمحت‬                                        ‫كيف ستكون شكل حياتي القادمة‪ ،‬فأنا من بكيت‬
  ‫لي شهيتي بذلك‪ ،‬بل إنه داوم على الذهاب معي إلى‬                                       ‫ليالي حينما شاهدت َم ْن أعتقدته حينها ُحب ال ُعمر‬
   ‫العلاج الكيماوي ثم الإشعاعي ومتابعات الطبيب‬                                        ‫يغادرني بعد عمليتي السابقة وأنا لم أُلملم شتاتي‬
                                                                                    ‫بعد‪ ،‬وأمضيت شهو ًرا في الذهاب إلى العلاج النفسي‬
                                       ‫الدورية‪.‬‬                                     ‫بعد الكيماوي كي أتخ َّطى ُحزني وأتجاوزه‪ ،‬صحيح‬
 ‫لطالما نجح رهاني الدا ِئم على الأصدقاء‪ ،‬فهم الرزق‬                                      ‫أنني استطعت تضميد جراحي والمُضي بحياتي‬
                                                                                    ‫قد ًما‪ ،‬ولكن حينما أدركت أنني أحمل بعض المشاعر‬
  ‫والنعمة وال َس َند والعائلة التي اجتمعت على ترا ُبط‬                                  ‫ناحية إسلام نجح الخوف في تملُّكي مرة أخرى‪،‬‬
     ‫الأرواح بين أشخاص لم يكن للدم أن يجمعهم‬                                           ‫وصارت الأفكار السطحيَّة سيناريوهات عميقة‪،‬‬
      ‫يو ًما‪ ،‬وانتصرت على والدي الذي ظل يصرخ‬                                         ‫كلما حاولت تقليصها نجحت أكثر في التجسد أمام‬
    ‫في وجهي دائ ًما «مافيش حاجة اسمها اصحاب!‬                                        ‫عيني حتى صارت فيل ًما ُيشا ِه َده عقلي الباطن الذي‬
       ‫الناس دي مراحل‪ ..‬أهلك دول رقم واحد هم‬                                          ‫ظل يتساءل‪ :‬كيف سيتقبَّل َر ُج ٌل أن تكون شريكة‬
                                                                                      ‫حياته امرأة بلا أثداء! ف َمن كان قبله َرحل وأنا لم‬
   ‫اللي هايبقولِك مش أصحابك!»‪ .‬كلما قلت له «دي‬                                       ‫أفقد أجزائي حينها‪ ،‬فكيف سيقبل آخر امرأة‪ ..‬على‬
 ‫صاحبة عمري أو دي صديقة حياتي»‪ ..‬كان ُم ِح ًّقا‬
 ‫فقط في أن الأشخاص هم مراحل في حياة بعضهم‬                                                                         ‫هيئة نصف أنثى؟!‬
‫البعض‪ ،‬وأنه ِمن غير الصحي أن نرفع توقعاتنا إلى‬
‫مستوى الأبدية والإيمان بأننا لن نتغيَّر مهما حدث‪،‬‬                                   ‫***‬
 ‫فالأحداث تتغيَّر‪ ،‬وتنكشف معها باستمرار جوانب‬
                                                                                    ‫صارت المستشفى ومركز علاج الأورام وعيادة‬
   ‫جديدة من النفس البشرية‪ ،‬والأبدية هي المُع ِج َزة‬
 ‫التي يصعب تصديق إمكانية تحققها‪ ،‬على كل حال‬                                         ‫طبيبي لاح ًقا منازلي الإضافية التي أكرهها بش َّدة؛‬
‫ِب ُّت استمتع بتلك المراحل‪ ،‬وأش ُكر القدر دائ ًما حينما‬                              ‫فالذهاب إليها يتطلَّب مني أن أتهيأ لها‪ ،‬والعودة‬

    ‫يبقى معي بعض الأصدقاء ونقترب من‪ ..‬الأبد‪.‬‬                                        ‫إلى الوقوف لأكثر من ساعة أمام عدوتي الصديقة‬
     ‫وكلما توطدت علاقتي بشكل أقوى مع إسلام‪،‬‬                                                                    ‫و ُمشاهدة الدجاجة المُن َه َكة‬
   ‫ازداد ذلك الصراع الناشئ بين مشاعري تجاهه‬                                         ‫حليقة الرأس ولكن هذه‬       ‫الم َّرة بلا قدمين! كنت انظر‬
‫ونظرتي إلى نفسي‪ ،‬وازدادت تساؤلاتي ع َّما ُيح ِّركه‬                                  ‫إلى جسدي غير المُك َت ِمل‬
      ‫للبقاء بجواري‪ ،‬فهو يستمر في رؤيتي وتلبية‬                                      ‫وأتحسس ثديي المسروقتين‪ ،‬وأف ِّكر في استحالة‬
‫احتياجاتي وتح ُّمل نوبات غضبي واكتئابي‪ ،‬وصار‬                                        ‫شعوري بالمُت َعة كمحال الحصول على ال ُحب‬
   ‫وواقتخهتا ُمر اخلعَّصملًصا ِملنيالمونلزعمللله‪،‬ي بضلمإننهاللبمقايءكلتأ ِطفوبلذلك‬
 ‫وقت ِمم ِكن معي‪ ،‬تم َّكن من قلبي وازدادت حيرتي‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102