Page 96 - merit 54
P. 96

‫العـدد ‪54‬‬                                         ‫‪94‬‬

                                                                                            ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

 ‫الآخرين حتى وإن كانت لا تعرفهم شخصيًّا‪ ،‬فهي‬                                                ‫لا أعلم كم مضى ِمن الوقت‪ ،‬ولكنني انتبهت إلى‬
  ‫تفترض أن الغرض الرئيسي من الحديث القضاء‬                                                   ‫لهثي وأنا اُتمتِم‪ :‬يارب أكون ما ُمتش‪ ..‬يارب أكون‬
                                                                                                                                              ‫ما ُمتش‪.‬‬
     ‫على الملل والبحث عن الحد الأدنى من الضحك‬                                               ‫أرعيدن َّتي‪،‬فقولطكانلتألمُّكدي مسانعتدنمتيمتعيلى‬  ‫حاولت بق َّوة لافتح‬
   ‫والسخرية‪ ،‬وإذا تم تفسير أفعالها بشكل خاطئ‬                                                                                                  ‫ذلك رأسي الثقيل‪،‬‬
   ‫سرعان ما تتح َّول إلى ذئ َبة بشر َّية لينتهي الأمر‬
                                                                                            ‫هل هي تحدث في عالمي‪ ،‬أم في عالم الاحتمال الآخر‬
                       ‫للطرف الآخر معتذ ًرا لها‪.‬‬                                            ‫الذي اتضح أنني لم أتقبله ح ًّقا‪ .‬كانت لتلك اليد التي‬
    ‫افترقا‪ ،‬ولكنهما وجدا نفسيهما يسلكان الطريق‬
                                                                                            ‫ربتت على كتفي الفضل في تهدئتي حين سمعت‬
     ‫نفسه‪ ،‬ويدخلان نفس العمارة‪ ،‬فداعبها قائ ًل‪:‬‬
          ‫‪ -‬قولي انك طالعة الدور السادس كمان!‬                                                                                                 ‫معها صو ًتا يقول‪:‬‬
                            ‫‪ -‬في الحقيقة‪ ..‬أيوة!‬                                            ‫‪ -‬اهدي‪ ..‬اهدي ان ِت كويسة‪ ..‬حمدالله على السلامه‪.‬‬
                          ‫‪ -‬ان ِت رايحة عند ليلى؟‬
                          ‫‪ -‬أيوة! إنها صديقتي‪.‬‬                                              ‫شعرت بالسكينة‪ ،‬وانزوى ال َهول الذي غرقت فيه‪،‬‬
                            ‫مد إليها يده ُمر ِّحبًا‪:‬‬                                        ‫وانسابت دموعي لشعوري بالامتنان أنني ما زلت‬
                                   ‫‪ -‬أنا إسلام‪.‬‬
                                  ‫‪ -‬وأنا سلمى‬                                                           ‫أحيا ُرغم العقبات التي سأواجهها لاح ًقا‪.‬‬
                                                                                                            ‫قامت الممرضة بمسح دموعي قائلة‪:‬‬
   ‫فتحت الباب‪ ،‬وألقيت التحيَّة وعرضت صديقتي‬                                                 ‫‪ -‬لا لا مش هاينفع تقابلي ضيوفك وان ِت بتعيطي‬
  ‫عليه تناول الإفطار معنا‪ ،‬حينها نظر إل َّي ُمخاطبًا‪:‬‬
                                                                                                                                              ‫كدة‪.‬‬
            ‫‪ -‬أحب طب ًعا‪ ،‬لو ليلى معندهاش مانع‪.‬‬
‫أخذت برهه من الوقت لاستوعب ر َّده‪ ،‬ور َّحبت به‪.‬‬                                                         ‫استنكرت بصوت ضعيف‪:‬‬
 ‫لم يتو َّقف وجوده على وجبه الإفطار فقط‪ ،‬بل امتد‬
 ‫إلى العشاء‪ ،‬بدأ يومي برج ٍل لم اتو َّقع يو ًما دخوله‬                                                   ‫‪ -‬ضيوفي؟! أه! إسلام جه!‬
‫لمينزللتنيا‪،‬ووالناتلهغدىاء ِبهم ُعمهغافِدي ًراالمُجنمه َعةو اهلولاي ِؤحقِّكةد‪ .‬عليَّ دعوته‬  ‫‪ -‬أيوة‪ ..‬ده مب َّطلش سؤال عليكي وشكله متوتر‬
 ‫وفي الحقيقة دائ ًما ما ينتابني فقدان الحماس تجاه‬
                                                                                                                                              ‫أوي‪.‬‬
    ‫القيام بأي أنشطة قبيل الموعد‪ ،‬خاصة إن كانت‬
 ‫مع أشخاص ليسوا في دائرتي المُق َّربة‪ ،‬فكيف أقوم‬                                                                                              ‫تن َّهدت‪:‬‬
                                                                                            ‫‪ -‬مش عارفة‪ ..‬مش عايزة حد يشوفني وأنا‬
   ‫بنشاط مع شخص أطول جملة قلتها له «صباح‬
   ‫الخير‪ ..‬إيه الاخبار؟!»‪ ،‬ولأتخذ هذه الخطوة كان‬                                                        ‫بالشكل والحالة دي‪..‬‬
   ‫عليَّ أن أبذل مجهو ًدا مضاع ًفا لإلزام نفسي بها‪.‬‬
                                                                                            ‫‪ -‬هاخليه يستنَّى لحد ما تبقى أحسن شوية‬
     ‫كانت الممرضة ودودة للغاية‪ ،‬لا أعلم إن كانت‬
‫كذلك معي تحدي ًدا أم هي طبيعة شخصيتها‪ ،‬جاءت‬                                                                                                   ‫وتقرري‪.‬‬
 ‫لتطمئن على حالتي م َّرة أخرى وبنبرة أكثر نعومة‬                                             ‫أضحك كلما تذ َّكرت اليوم الذي ساهمت فيه عربة‬

  ‫وإنسانية قالت‪ :‬إنه من الجيد أن يكون هناك أحد‬                                              ‫الفول في بدء صداقتي مع جاري‪ .‬لم أكن من ذلك‬
   ‫بجانبك ي ُم ِسك بيديك وألا ُيشع ِرك بأ َّنك وحيدة‪،‬‬
                                                                                            ‫النوع القادر على تكوين صداقات بسهولة معظم‬
      ‫وهو ما زال ينتظرك بالخارج‪ .‬كانت كلماتها‬
      ‫كإشارة إلهية‪ ،‬فالوحدة ما كانت تقلقني قبل‬                                              ‫الأوقات‪ ،‬أحتاج دائ ًما أن يتم اقتحامي مع احترام‬
‫الاتصال به‪ ،‬فكيف اختارها مرة أخرى وأنا أعلم في‬                                              ‫حدودي الشخصية وأن تسير العلاقات بسلاسة‬
 ‫أعماقي أنها لم تكن أب ًدا الخيار الأول لي‪ ،‬فسمحت‬
                                                                                            ‫وتنضج مع الوقت‪ ،‬كان الفضل لسلمى صديقتي‬
                      ‫لها بأن تدعوه إلى الدخول‪.‬‬
                                                                                            ‫في توطيد علاقتي به‪ ،‬كنت اتفقت معها على تناول‬

                                                                                            ‫الإفطار سو ًّيا‪ ،‬وطلبت منها أن ت ُمر على بائع الفول‬
                                                                                               ‫على ناصية الشارع الذي أسكن به‪ ،‬وهناك بدأ‬
                                                                                                        ‫«إسلام» الحديث معها ضاح ًكا‪:‬‬

                                                                                                        ‫‪ -‬طبقة جديدة معانا على عربية الفول!‬

                                                                                                        ‫فبادلته السخرية قائلة‪:‬‬

                                                                                            ‫‪ -‬أنا من الطبقة اللي نزلت من خمس سنين!‬

                                                                                            ‫كانت صديقتي على النقيض منَّى‪ ،‬فهي تتفاعل مع‬
   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101