Page 106 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 106

‫العـدد ‪24‬‬       ‫‪104‬‬

                                                     ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬  ‫د‪.‬نادية هناوي‬

                                                                             ‫(العراق)‬

‫نحو فهم جنسان ّي مغاير للأنثو ّية‬

      ‫هو أيضا مبدأ الخصب‪ ..‬بعد ذلك ُخلعت الأم‬        ‫يذهب بعض الواقعين تحت الهيمنة الذكورية إلى‬
 ‫الكبرى عن عرش الألوهية وأصبح الإله المذكر هو‬
                                                      ‫ع ِّد النزعة الأنثوية في الأساس نزعة سياسية‪ ،‬وأن‬
                                    ‫الأساس”(‪.)1‬‬        ‫مدارها الجسد بمفهومه الجندري‪ ،‬وهذا ما يجعل‬
     ‫فبزغت الأبوة مستحوذة على الأمومة‪ ،‬وتسيّد‬
     ‫الفكر الذكوري مسيط ًرا على مقدراتها‪ ،‬ومغيِّبًا‬      ‫أية مباركة لها من قبل الرجل إنما هي استعادة‬
‫البعد الأسطوري المنطوي فيها‪ ،‬ولو أنه أق َّر بحقيقة‬    ‫للوضع التقليدي في النظر للمرأة عموما ‪-‬والكاتبة‬
     ‫الأنثوية وتاريخيتها‪ ،‬لما كان للأبوية أن تتفوق‬    ‫تحدي ًدا‪ -‬من منظار اتباعي سلفي يرى المرأة سلعة‬
  ‫وتؤسس منظومة عتيدة من المواضعات الفحولية‬            ‫للاستهلاك وليست منتجة للقيم‪ ..‬وما ذلك إلا لأن‬
     ‫التي هيمنت على النسوية متعاملة معها كخطر‬
    ‫دائم‪ .‬وظلت الثقافة في توجهاتها ذكورية‪ ،‬تنظر‬          ‫الرجل يعلم أن تأكيد هذه المسألة‪ ،‬يعني أنه لن‬
    ‫للمرأة نظرة تنتقص من أنثويتها وتحصرها في‬            ‫يكون مسبو ًقا تاريخيًّا فحسب‪ ،‬بل سيكون أبعد‬
  ‫إطار إشباعي‪ ،‬بوصفها نقيصة وخطيئة‪ ،‬بنا ًء على‬          ‫عن استشراف المستقبل وأقل اقتدا ًرا من امتلاك‬
 ‫مرجعيات ميثولوجية دينية‪ ،‬تتجسد مرة في البغاء‬        ‫الحاضر‪ .‬ولتظل المرأة تابعة؛ ليس لها اعتبار سوى‬
‫المقدس‪ ،‬ومرة في القربان والتضحية بسبب النسيان‬         ‫الاعتبار الجنساني ‪ ،sexuality‬متصفة بسبب ذلك‬
  ‫حيث “الفتاة منذ طمثها الأول تبقى ثلاثة أيام في‬      ‫بالدونية الجسدية والاستلابية الجنوسية‪ ،‬يرافقها‬
  ‫كوخ معتم دون أن تتكلم مع أحد‪ ،‬وهي تتصرف‬            ‫العار والمرض والتشويه والجنون والبشاعة والنكبة‬
   ‫هكذا لأن الفتاة الأسطورية المض َّحى بها بتحولها‬     ‫والاختلال والاستضعاف كمعايير تقولب جسدها‬
   ‫إلى قمر تبقى ثلاثة أيام في الظلمات‪ ،‬وإذا خالفت‬       ‫الأنثوي وتستضئله‪ .‬ولقد حرص النقد الذكوري‬
     ‫الفتاة المعنية تابو الصمت وتكلمت ترتد مذنبة‬       ‫على حصر الأنثوية في الإنجاب كعائدية وتكرارية‬
  ‫بالنسيان لحادث بدئي”(‪ ،)2‬ومرة في الوأد للبنات‪،‬‬         ‫ولا استقلالية‪ ،‬وكفعل إدامة موضوعي‪ ،‬وليس‬
   ‫ومرات كثيرة في التحريم والحظر كحرق الأرملة‬
   ‫‪ sati‬في الهند‪ ،‬أو القتل تكفي ًرا عن خطيئة الجسد‬        ‫كفعل مؤسطر وذاتي فيه المؤنث أصل وجذر‪،‬‬
                                                     ‫كالأرض تما ًما‪ ،‬وليس مجرد جنس آخر تابع لأصل‬
                       ‫المؤنث في الشرق الأوسط‪.‬‬        ‫هو المذكر‪ .‬وهو ما أكدته أساطير الشعوب القديمة‪،‬‬
      ‫لا غرو أن حرمان المرأة من إثبات أنثويتها في‬
                                                      ‫فالأنثى هي الأم الكبرى والإلهة التي أنجبت الذكر‬
                                                      ‫ول ًدا وحبيبًا‪ ،‬وأعطته الإلوهة حتى “كان في البداية‬

                                                         ‫أقل منها ولكنه يشبهها ويشترك معها ويجسد‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111