Page 108 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 108

‫العـدد ‪24‬‬   ‫‪106‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

    ‫إ َّن تحقيق الكتابة النسوية لأنثويتها سيستنّزف‬    ‫الذي به تغتصب النزعة الأنثوية‪ ،‬وتسحق الإبداعية‬
   ‫طاقة المتبوع بينما يستنفر طاقة التابع‪ ،‬فيسحبه‬                  ‫النسوية ليداس عليها بكبرياء رجولي‪.‬‬
   ‫من منطقة الظل ويضعه في منطقة الضوء‪ ،‬مهيئًا‬
  ‫له سبل الكفاح كما يقول المفكر فرانز فانون‪“ :‬لا‬          ‫ولا بد لخطاب المرأة أن يكون مركز ًّيا وأموميًّا‪،‬‬
                                                          ‫كاستراتيجية ذات فاعلية جديدة وعملية ثقافية‬
     ‫بد لكل جيل أن يكتشف رسالته وسط الظلام‪،‬‬              ‫مغايرة‪ ،‬تحاول زحزحة الأسس العتيدة للفحولة‬
 ‫فإما أن يحققها وإما أن يخونها‪ .‬والأجيال السابقة‬         ‫ومعاييرها‪ ،‬طارحة تساؤلاتها بحرية منحازة إلى‬
                                                       ‫ذاتها‪ ،‬غير محتاجة إلى انتحال صوت الأبوية‪ .‬وهو‬
    ‫في البلاد المتخلفة قد قامت بعملين في آن واحد‪،‬‬     ‫ما نجد تمثلاته في الرواية النسوية ما بعد الحداثية‪،‬‬
   ‫قاومت أعمال الاستنزاف التي تابعها الاستعمار‪،‬‬          ‫بعكس الرواية الحداثية التي باتت أغلب نماذجها‬
   ‫وهيأت نضج الكفاح الذي تخوضه الآن”(‪ .)6‬فلا‬           ‫النسوية مسترجلة تنظر للأنثوية بمنظار ذكوري‪.‬‬
‫تعود الأنثوية تعني الجنس البيولوجي‪ ،‬وإنما تعني‬             ‫وما كان للرواية أن تكون نسوية لولا الأنثوية‬
 ‫السمة الثقافية ذات الأنساق الجديدة التي لا تنفلت‬       ‫كنزعة إبداعية تنجزها امرأة كاتبة تنحاز للصوت‬
                                                         ‫الأنثوي‪ ،‬معززة مكانته وقدراته ناهضة به بعي ًدا‬
     ‫من قبضة الأبوية إلا لكي تقبض عليها‪ .‬بعبارة‬
  ‫أوضح أن الجنس لدى النساء‪ ،‬ما عاد هو المقياس‬                  ‫عن التغييب والاقصاء‪ ،‬مكافئة بذلك ذاتها‪.‬‬
                                                       ‫لقد أسهمت عوامل الإقصاء والتهميش والمصادرة‬
    ‫المباشر لإضعاف الرجل من منطلق حسي يقوم‬
‫على الترغيب والإغراء‪ ،‬بل من منطلق تجريدي يقوم‬                ‫مجتمعة في مرحلة ما بعد الحداثة‪ ،‬على جعل‬
                                                         ‫الأنثوية سمة تكوينية تميز النسوية في تحدياتها‬
  ‫على المنافسة والأسبقية التي بها ستمتلك الأنثوية‬       ‫التي تخوضها على شتّى الأصعدة‪ ،‬مؤمنة أن هذه‬
    ‫القوة التي تجعلها تتحكم بالآخر‪ ،‬تحك ًما ثقافيًّا‬  ‫السمة التي كانت يو ًما ما سببًا في دونيتها وتبعيتها‬
                                                        ‫هي التي ستكون سلاحها الثقافي الذي به تسترد‬
‫ليس فيه تغليب؛ لكنه مركزي انطلا ًقا من دور المرأة‬        ‫قيمتها‪ ،‬وتؤكد هويتها بمركزية واضحة وجلية‪.‬‬
                                       ‫الأمومي‪.‬‬           ‫وبهذا تحقق الرواية النسوية العربية بع ًضا من‬

 ‫ومن الطبيعي أن تحاول الكاتبة العربية المعاصرة‪،‬‬                                             ‫مبتغياتها‪.‬‬
 ‫مقاومة التبعية الذكورية كي لا تعطي الحق للرجل‬        ‫قد يذهب بعضهم إلى القول إن النزوع الأنثوي يندر‬
  ‫في التسيد‪ ،‬وقد تأخذ مقاومتها صو ًرا عديدة منها‬
 ‫مقاومة مجتمعية بالنضال والكفاح‪ ،‬ومقاومة ذاتية‬          ‫وجوده عند الكاتبات العربيات المعاصرات‪ ،‬بسبب‬
                                                           ‫نمطية الدور الكتابي المتاح لهن في ظل الهيمنة‬
    ‫بالإصرار والتحدي‪ ،‬ومقاومة ثقافية بالتميز في‬
                            ‫التأسيس والتجريب‪.‬‬         ‫الأبوية‪ ،‬وإنه إن وجد فسيوجد عند أسماء شابة أو‬
                                                        ‫مغمورة دون الأسماء الروائية الكبيرة والمعروفة‪.‬‬
‫ولن يكون أمام النسوية كي تق ّوض الأبعاد البطولية‬         ‫فنقول إن مسألة الندرة أو الاستثنائية في وجود‬
‫للأبوية؛ إلا أن تصمم على تهشيم الاعتداد الفحولي‪،‬‬
‫مؤمنة بقدرتها على جعل الآخر معتر ًفا بها وبأثرها‬          ‫نزعة أنثوية في الكتابة النسوية‪ ،‬قد يظل مغاي ًرا‬
                                                            ‫للحقيقة وقد يبدو جزافيًّا واطلاقيًّا‪ ،‬بعي ًدا عن‬
   ‫المحوري والإيجابي في الحياة‪ .‬ولا عجب أن تنبذ‬
  ‫وجهة النظر النسوية ما بعد الحداثية وجهة النظر‬        ‫حقيقة المشهد الروائي النسوي‪ ،‬مماشيًا ما ير ّوجه‬
‫النسوية الحداثية التي ترى المرأة قابعة تحت ضغط‬           ‫النقد الذكوري من أفكار تتصف بمجانية الطرح‬
   ‫التجاوزات الجنسية والمعاناة الواقعية والرضوخ‬         ‫ومعتادية التصور المتبلور في الأساس من هاجس‬
‫الذي به موت مطامحها والمصير المحتوم الذي لا بد‬
‫لها أن تقنع به‪ .‬وكأن النساء مجبولات على المطاوعة‬       ‫فحولي ذي نبرة استعلائية‪ ،‬لا يقر بالدور الأنثوي‬
  ‫والتسليم‪ ،‬وأن الطبيعة هي التي قد حكمت عليهن‬            ‫في الكتابة الروائية النسوية‪ ،‬غير آخذ بالحسبان‬
  ‫بذاك وليس الآخر الذي عمل بقصدية على إيهامها‬           ‫التمشكل الجمالي والفكري الذي تحاول أن تقطعه‬
   ‫أن أي انتهاك للأعراف والمواضعات هو انسحاب‬                ‫الكتابة النسوية على المستوى الإبداعي بعامة‬
  ‫من مسرح الحياة‪ ،‬وقبوع مؤبد في الكواليس التي‬                               ‫والمستوى الروائي بخاصة‪.‬‬

      ‫بها دمار ذاتها‪ .‬ومن ثم صار معتا ًدا في رسم‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113