Page 113 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 113

‫نون النسوة ‪1 1 1‬‬                                      ‫نسق الخوف المهيمن‪ ،‬الذي جعل الجسد العربي‬
                                                   ‫‪-‬لاسيما الأنثوي‪ -‬في أغلب النصوص الأدبية يظهر‬
  ‫الأدب في النهاية متخيل وافتراضي لا تنبني عليه‬
    ‫أحكام أية سلطة قانونية أو دينية أو اجتماعية‪،‬‬       ‫ضعي ًفا‪ ،‬مترد ًدا‪ ،‬متوت ًرا‪ ،‬يحمل في ذاكرته سمة‬
                                                   ‫(الخطيئة) حتى في متخيّلات أبطاله‪ ،‬وحتى لو كان‬
‫ربما بتلك الطريقة وحدها يمكن للجسد أن يتخلص‬
  ‫من نسق الخوف الذي شوه نفسيًّا صورة الجسد‬             ‫بريئًا منهما‪ ،‬مبال ًغا في عفته ونقائه‪ ،‬وتحوطاته‬
  ‫وأبعده عن جمالياته التي يتمتع بها بالفطرة مهما‬    ‫من الزلل والعثرات‪ .‬إن استقطاب الجسد في النص‬

                                 ‫تعرضت للقمع‪.‬‬           ‫الأدبي لم يشتغل على تفعيله المبدع فحسب بل‬
   ‫وكأنموذج لطبيعة الصورة الأدبية السردية التي‬          ‫تشارك معه المتلقي أي ًضا‪ ،‬كونه يحمل الهموم‬
    ‫حضر فيها الجسد تحت نسق الخوف سنتناول‬                 ‫نفسها التي أظهرت الجسد في رؤيته اليومية‬
 ‫بالتحليل مجموعة (وجوه ملونة) للقاصة العراقية‬           ‫كأزمة من الصعب حل إشكالياتها أو التخلص‬
    ‫رجاء الربيعي التي يخضع فيها الجسد الأنثوي‬        ‫منها‪ ،‬فبات ينتظر نصو ًصا تعبر عن تلك الهموم‪،‬‬
                                                   ‫وحلو ًل فكرية للأزمة‪ ،‬من أجل استعادة التوازن في‬
     ‫لنسق الخوف مهيمنًا دلاليًّا على بنية القصص‬     ‫نظرته المادية والنفسية إلى الجسد‪ ،‬هي حلول كان‬
   ‫بشكل مضمر أو معلن‪ ،‬فض ًل عن تجلي تأثيراته‬       ‫ينتظرها مث ًل من عالم النفس والطبيب ورجل الدين‬
                                                    ‫والمصلح الاجتماعي‪ ،‬وعندما فشل في العثور عليها‬
         ‫السيميائية في كثير من العلامات السردية‬      ‫عندهم بسبب وضعهم للجسد موضع (الخطيئة)‬
    ‫والوصفية داخل فضاءات القصص‪ ،‬التي تهرب‬              ‫التي يمثل الابتعاد عنها الحل الأمثل في النهاية‪،‬‬
  ‫أغلب بطلاتها إلى الخيال بحثًا عن الحرية وأحلام‬       ‫لجأ إلى الأديب ونصوصه‪ ،‬التي طرحت الجسد‬
                                                       ‫أمامه مجاز ًّيا بواقعه النفسي والمادي ومعاناته‬
      ‫اليقظة لتحرير ذلك الجسد من المخاوف التي‬         ‫كخطوة أولى في المصارحة بالأزمة التي يعيشها‪،‬‬
                   ‫تحاصره أو تطارده أو تقمعه‪.‬‬       ‫وفي الخطوة الثانية اجترحت النصوص حلو ًل غير‬
                                                     ‫مباشرة لتلك الأزمة‪ ،‬وكان من المفارقة أن الخيال‬
  ‫يفرز نسق الخوف ثقافته عبر (الشعور بالوحدة)‬
  ‫مث ًل الذي يستولي على الأنثى ويعزلها عن العالم‪،‬‬                             ‫واحد من تلك الحلول‬
‫بعد غياب الآخر‪ /‬الرجل‪ ،‬الذي يظهر بصورة المنقذ‬                                    ‫المباحة للحوار مع‬

     ‫النفسي والجسدي لها “هو منقذها من صخب‬                                     ‫الجسد‪ ،‬ربما تعوي ًضا‬
‫الأرقام والحروف والحضور والانصراف” ص‪،19‬‬                                        ‫عن العجز في الحوار‬
‫والذي بإمكانه أن ينتشلها‬                                                     ‫معه بالواقع‪ ،‬أو تمهي ًدا‬
                                                                             ‫لإزاحة تلك التصورات‬
   ‫من وحدتها ويكمل ما‬                                                         ‫المخيفة والملتبسة عنه‪،‬‬
     ‫يحتاجه جسدها من‬
                                                                                      ‫وإنزاله لاح ًقا‬
‫اهتمام وتبجيل لجمالياته‪،‬‬                                                              ‫أرض الواقع‪،‬‬
     ‫كما تر ّوج له الثقافة‬
     ‫الاجتماعية الشرقية‬                                                                  ‫واكتشافه‬
                                                                                       ‫بغض النظر‬
    ‫وتخضع لها (خيالات‬                                                                   ‫عن النتائج‬
   ‫امرأة عاشقة) ص ‪،17‬‬                                                                ‫التي لن تدخل‬

      ‫وهو عنوان القصة‬                                                                     ‫في معيار‬
   ‫التي نتحدث عنها أو ًل‪،‬‬                                                                 ‫الصواب‬
                                                                                      ‫والخطأ‪ ،‬لأن‬
      ‫وتجلس فيها أمامنا‬                                                                ‫ما يحدث في‬
 ‫امرأة وحيدة “على حافة‬
 ‫شباك غرفتها في الطابق‬

    ‫العلوي” ص‪ ،17‬الذي‬
 ‫يتناسب موقعه المعماري‬

   ‫رمز ًّيا مع فكرة الخيال‬
   ‫الرومانسي الذي وفر‬
   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118