Page 114 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 114
العـدد 24 112
ديسمبر ٢٠٢٠
في المحظور” ص .19مما دفعها إلى خرق الحظر للمرأة فضاء متساميًا علو ًّيا حلميًّا لتعويض ما
بالتواصل مع الآخر حقيقة وليس عبر العالم تشعر بفقدانه على أرض الواقع ،من تواصل مع
الافتراضي خلف الكيبورد. آخر يزجها غيابه في شعور بالوحدة حد محادثتها
للمرآة ،واستعادة الذكريات ،بعد “السنوات التي
حاجة الجسد إلى العلاقة الحميمية الافتراضية أو مرت على وجعها ،وهي تتلوى ،الخوف والصمت
الواقعية مع الآخر ليست حاجة عاطفية وجنسية يلفها كما يلف الليل المكان ،نهاراتها مليئة بالصراخ
فحسب ،بل هي حاجة فكرية ونفسية لإيجاد معنى والخوف” ص ،17إنها من دون جسد الآخر وروحه
للحياة ،بعد أن جعلها “فكرها العتيق ..سيدة بلا أشبه بـ”طائر يتقلب وسط الهواء بجناح وحيد”
معنى” .وبعد أن عجزت تفاصيل حياتها اليومية
ص.17
الروتينية عن إضفاء قيمة لحياتها وحضورها الوحدة التي حرمت الشخصية الأنثوية في القصة
الجسدي فيها ،إذا ما ظلت وحيدة ،من دون رجل من القيام بالفعاليات الناعمة للجسد الأنثوي التي
حبيب في حياتها “هو منقذها من صخب الأرقام تتمظهر مستف َّز ًة بحضور جسد الرجل أو الحبيب
الافتراضي ،فاستحضرتها معه لاح ًقا بالخيال ،في
والحروف والحضور والانصراف” ص.19 عزلة رومانسية معه داخل بيت مهجور على جرف
ويبدو لي أن القصة تحاول أن تروج ضمنيًّا لفكرة
نهر عريض ،أو وسط حديقة وهي تتألق جماليًّا
الخيانة المرتبطة بالرجل كطبيعة ملازمة له من وجسد ًّيا “بثوب خفيف بلا أكمام ،احتضنته بألفة
منظور اجتماعي ث ّقف كثي ًرا لها ،بينما يثبت تفكيك متناغمة ،داعب وجنتيها قبل أن يصحبها من يدها
القصة خيانة المرأة نفسها لطبيعتها البشرية عندما ليقيسا م ًعا براعم الزرع الناتئة ..تباهت بأنوثتها
والتصقت به حتى أحست أن شعر صدره يخترق
بالغت تحت القمع الاجتماعي لجسدها ،في منح
الرجل -كرد فعل غير متوازن على ذلك القمع- نسيج الثوب ويدغدغ قلبها” ص.18
دو ًرا مبال ًغا فيه بحياتها تجاوز حدوده الإنسانية لكن نسق الخوف -لاسيما الاجتماعي -سرعان ما
الطبيعية حد الوصول إلى تأليهه وعبادته عبر
طقس الطواف الذي ُو ِصفت به علاقة المرأة بالرجل يعود ليمارس سلطته عليها ،فيقمع تلك الخيالات
من منظورها الأنثوي “هو الشمس ،والطواف العاشقة تحت رقابة مفترضة للوالدين ،ومن
حوله أجمل من الطواف حول كتاب” ص ،19وهذا
الطواف والدوران هو ما افقدها توازنها المأمول، المفارقة أن أحدهما ميت ،ويكبت أمنيات الجسد،
وجعلها “غبية حين ص ّدقت كلماته وأنه مولع الذي ينسحب من تلك الخيالات باتجاه حماية
بها ،لا يفارق طيفها ذهنه” ص ،20ومن ثم فإن
فعل الخيانة وقع منها قبل أن يقع منه ،خيانتها مفترضة تجدها بجانب جسد الأم الذي يشاركها
للمنطق العقلي “عقلها الذاهب إليه عنوة” ص،20 في الحقيقة سرير النوم“ :سحبت جسدها الواهن
في طبيعة العلاقة والحد الإنساني للآخر الذي لم
تدركه فوقعت ليس في عشقه فحسب ،وإنما التعامل قربها ليحميها من مخيلتها التي أخافتها كثيرا”
معه كمعبود إن صح التعبير ،وخيانة لواقعها ص .18وتجدها أي ًضا في الوفاء لوالدها الذي مات
الاجتماعي والأسري (رقابة الأم الحية ووصايا منذ سنوات وعليها أن تجعله مطمئنا عليها وهو
الأب الميت) ،ولمكانة جسدها التي من المفترض أن في قبره ،بعدم خيانة ذكراه ،ووصاياه ،والتوقف
لا ترغب بالآخر حد إذلال الجسد ،ورهن نشاط
جمالياته الأنثوية بشرط التواصل مع آخر تبين عن الوهم بكونها “زوجة لرجل لا يهنأ إلا معها
في النهاية أنه لا يمنح جسدها خصوصية ما تليق في سرير واحد” ص .19وعن تخيِّل “كم من لهيب
بكرامته ،وإنما يمنحه كسلعة ما يمنح “الأخريات القبل استقبل جسدها الغض العطشان له” ص.19
اللواتي كن يستقبلن همسه بالإحساس نفسه، ويتجلى الجسد خائ ًفا من مغامراته مع الآخر ولو
بالخيال في الجملة التي تفصح فيها القصة عن
معاناة الشخصية تحت الرقابة الاجتماعية للأحياء
(الأم) والأموات (الأب)“ :خوفها منهم أوقعها