Page 112 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 112

‫العـدد ‪24‬‬           ‫‪110‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬  ‫د‪.‬أحمد جار الله ياسين‬

                                                                                          ‫(العراق)‬

               ‫الجسد تحت نسق الخوف‪..‬‬
‫في قصص “وجوه ملونة” لرجاء الربيعي‬

  ‫وطاقاتها المجازية والرمزية والتخيلية‪ ،‬فض ًل عن‬          ‫يخلق حضور الجسد في النصوص الأدبية‬
‫قدرتها على تمثيل الجسد تحت سلطة الأنساق التي‬
                                                       ‫نو ًعا من الارتباك للغة‪ ،‬كونها ستضطر للبحث عن‬
   ‫تهيمن عليه‪ ،‬أنساق اجتماعية ونفسية وسياسية‬            ‫الكلمات المجازية المناسبة لحجب مدلوله الصريح‬
   ‫ودينية تتجلى بقدر أو بآخر خلف صورة الجسد‬             ‫أو المتصور الذهني عنه في ذهن القاريء‪ ،‬لاسيما‬
‫الذي –غالبًا‪ -‬ما يريد الانفلات منها ليشعر بحريته‪.‬‬     ‫إذا تعلق ذلك الحضور بالفاعلية المعنوية والجنسية‬
   ‫إن حضور الجسد في ثقافة تتعامل معه بوصفه‬
 ‫من التابوات التي يمنع الاقتراب العلني منها؛ ش َّكل‬         ‫له‪ ،‬التي قد تثير حساسية اجتماعية في بيئات‬
 ‫تحذي ًرا وخ ًّطا أحمر في ذاكرة المبدع العربي‪ ،‬لكنها‬    ‫متزمتة ظاهر ًّيا‪ .‬ومن ثم فإن الجسد لن يتجلى في‬
                                                      ‫النصوص بصورته الحقيقية حد التعري الجزئي أو‬
     ‫أفادت من جهة استفزاز حيله المجازية اللغوية‬         ‫الكامل ربما‪ ،‬وإنما سيظل محتجبًا باللغة المجازية‬
 ‫لتجاوز ذلك الخط والتعبير عن الجسد بلغة مقبولة‬
 ‫تراعي ذلك التحذير‪ ،‬وفي الوقت نفسه تعبر رمز ًّيا‬            ‫والحد الأدبي المسموح به من الخيال في ذهن‬
‫ومجاز ًّيا عن الجسد‪ ،‬وذلك مقصد الأدب دو ًما الذي‬         ‫المتلقي‪ ،‬ليس ذلك عيبًا نصيًّا‪ ،‬بقدر ما هو امتياز‬
                                                         ‫للغة الأدبية وقدرتها على تشكيل صورة الجسد‬
    ‫لا يسعى للتعبير عن الحقيقة كما هي وإنما كما‬          ‫بخصوصية‪ ،‬تميزه من صورته في الواقع‪ ،‬كون‬
 ‫يراها المبدع مؤو ًل لها‪ ،‬ومتجاو ًزا وجودها العيني‪.‬‬   ‫الصورة الأدبية ليست فوتغرا ًفا للجسد وإنما تحمل‬
 ‫ومن ثم بات الجسد أشبه بالسلطة السياسية يمنع‬          ‫معها مخزو ًنا رمز ًّيا من المشاعر والجوانب النفسية‬
                                                       ‫والفكرية العالقة بكل لفظة وسياق يسهم في رسم‬
  ‫الاقتراب منهما علنًا‪ ،‬ويسمح بذلك مجا ًزا‪ ،‬فض ًل‬       ‫تلك الصورة‪ ،‬وهو أمر لا تجيد فعله الكاميرا التي‬
    ‫عن عثور المبدع على حجة أخرى للحوار الأدبي‬             ‫تنشغل بالمظهر المرئي للجسد‪ ،‬وتعجز عن لفت‬
 ‫مع الجسد في نصوصه‪ ،‬تمثلت بالحديث عما يدور‬               ‫انتباه المتلقي إلى المظهر النفسي الجواني المستتر‬
‫حوله أو يتعرض له الجسد من تخويف أو تهديد أو‬
  ‫قمع تنتج عنه مشاعر نفسية لصيقة به‪ ،‬ولاسيما‬                ‫خلف الجسد‪ ،‬وهذا الفعل تجيده اللغة الأدبية‬
   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117