Page 115 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 115

‫نون النسوة ‪1 1 3‬‬                                         ‫ربما تزيد عليهن برومانسيتها”‪ ..‬انسجا ًما مع‬
                                                        ‫السلطة الفحولية المضمرة خلف أفعاله ومواقفه‬
    ‫الثلاثين‪ ،‬حتى أنه لم يقل لها لا تبكي يا طفلتي‬      ‫التي تبرر له بوعي أو من دونه التواصل الدون‬
    ‫المدللة!‪ ،‬غالت في تخبطها‪ ،‬كواهمة عشقت خيا ًل‬     ‫جواني مع أجساد أخريات‪ ،‬وليس مع جسد امرأة‬
‫كان في بالها ولم يزل” ص‪ .42‬إنها في قصة أخرى‬            ‫واحدة كونه فح ًل وذك ًرا وأقرب لفكرة (المعبود)‬
   ‫(حبيسة الفرح‪ )46 /‬الذي أرهق جسدها البحث‬              ‫المستعبد للأخريات‪ ،‬والوثن الذي يطاف حوله‪،‬‬
    ‫عنه في الأحلام والخيال والتجوال‪ .‬أما في قصة‬     ‫وبالعودة إلى فكرة الفحل نقول تمضي القصة ‪-‬بعد‬
 ‫(قبح الوجوه‪ )70 /‬فإن الجسد يتجلى سار ًدا بين‬        ‫تفكيكها‪ -‬في التلميح إلى كونه الذي يباح له عاطفيًّا‬
   ‫شخصيتين‪ :‬المرأة والرجل القبيح الذي تستنطق‬             ‫وجنسيًّا ما لا يباح للأنثى‪ ،‬ومن ثم فإن الآخر‬
     ‫المرأة ملامح وجهه القبيحة‪ ،‬وتتغلغل بعي ًدا في‬    ‫(الرجل) لا يبدو خائنًا لكل الأنساق السابقة التي‬
  ‫تأويلها السلبي لشخصيته ثم لتكتشف في النهاية‬         ‫ث َّقفت لسلوكياته اجتماعيًّا وفكر ًّيا ونفسيًّا وهيأت‬
   ‫أن قبح الوجه يخفي خلفه جما ًل روحيًّا إنسانيًّا‬       ‫لأفعاله اللاحقة تجاه الأنثى‪ ،‬وربما تباهت بها‬
      ‫راقيًا تغبطه عليه‪ ،‬وتتمنى تبادل الأدوار معه‪،‬‬    ‫‪(-‬ينظر المجتمع الشرقي إلى الرجل ذي العلاقات‬
‫فتعطيه من جمال وجهها ويعطيها من جمال روحه‪.‬‬             ‫العاطفية والجسدية المتعددة نظرة احترام كونها‬
‫في قصة (حلم وأمل أبيض) فإن الجسد يبدو خائ ًفا‬       ‫دلي ًل على رجولته وفحولته ومقبوليته عن النساء)‪-‬‬
    ‫من المرض “حام ًل لعنة تكاد تغتصب جز ًءا من‬        ‫وبررتها عند انكشافها‪ ،‬وبينما ينال الرجل المتعدد‬
   ‫جسدك الناحل” ص‪ .22‬في حين يخضع الجسد‬                 ‫العلاقات الثناء على فعله وسط المجتمع الذكوري‬
  ‫في قصة (زحمة الكلام) للصمت القسري في نوع‬          ‫تنال المرأة السخرية منها واللوم والتقريع‪ ،‬وتحاول‬
  ‫من المفارقة أمام جمع من الركاب في السيارة بعد‬         ‫تبرئة نفسها مما حصل ولو بالخيال أو بالعالم‬
    ‫أن عجزوا عن التواصل اللفظي معها‪ ،‬ليكتشفوا‬        ‫الافتراضي أو الواقعي‪ ،‬وترتضي من باب التطمين‬
‫أنها من ذوي الاحتياجات الخاصة وغير قادرة على‬            ‫النفسي لها ولمصداقية براءتها بدور (الضحية)‬
                                                    ‫التي وقع جسدها فريسة خيانة رجل يفتقد الصدق‬
                                         ‫الكلام‪.‬‬    ‫“فلا أمان معك‪ ،‬وما من حقيقة ترجى هنا” ص‪.20‬‬
      ‫وفي قصة (أرواح محررة) يتمرد الجسد على‬         ‫ومن ثم فإن الجسد الانثوي لن يجد أمانه بالمغامرة‬
   ‫مخاوفه مما يحجب الجسد بسبب ضغط العرف‬                 ‫مع الآخر‪ /‬المحبوب‪ ،‬عبر فضاء الخيال أو حتى‬
 ‫والتقاليد‪ ،‬عندما يجد نفسه في بيئة جديدة لا تهتم‬       ‫الحقيقة‪ ،‬وإنما بالبقاء وحي ًدا في الحقيقة فحسب‪،‬‬
‫بتلك الحجابات المظهرية في تقييم الإنسان‪ ،‬فينزعها‬        ‫“وعليَّ أن أكون هناك مع الحقيقة ومع الأمان”‬
  ‫ليكون ح ًّرا‪ ،‬مثلما فعلت مع غطاء الرأس “حاولت‬     ‫ص‪ ،20‬متوجسا بحذر وخوف مستمرين مع جسد‬
   ‫أن تخلعه شيئًا فشيئًا وهي تتلصص على قوامها‬       ‫مقموع من التواصل مع الآخر‪ .‬لكن فكرة التواصل‬
  ‫في مرايا المحلات” ص‪ ،37‬دافعها جملة “لنصرخ‬             ‫مع الآخر لإعادة الاعتبار للجسد الانثوي تبقى‬
    ‫بوجه الخوف” ص‪“ ،37‬نعم هي الآن مختلفة‪،‬‬               ‫قائمة عند بطلة أخرى في قصة (زال ولم يزل)‬
   ‫نعم هي الآن امرأة من النساء المثيرات” ص‪،38‬‬         ‫التي تتمنى أن “تهديء من روعها بملامسة كفه”‬
                                                       ‫ص‪ ،40‬وكأن الآخر يمتلك قدرة سحرية تجعلها‬
           ‫“أحست أنها الآن امرأة أخرى” ص‪.39‬‬            ‫تعترف “وجدتني مقذوفة إلى عالمك الذي جعلني‬
   ‫ختا ًما أقول إن الجسد في أغلب القصص يخضع‬           ‫أرقص كفتاة الباليه” ص‪ ،41‬لكن غياب الآخر عن‬
   ‫لنسق الخوف المهيمن على الحياة اليومية للجسد‬      ‫التواصل الجسدي والروحي معها يربك استقرارها‬
                                                     ‫النفسي “فتضرب الماء بشدة كي تغضبه” ص‪،42‬‬
       ‫بشكل طاغ وموجع‪ ،‬وهو نتاج ثقافة شرقية‬              ‫فيخاف عليها من الغرق‪ ،‬لكن من دون جدوى‬
   ‫روجت له وأشاعته في أدبياتها بوجه حق أو من‬           ‫فقد “كبر الخوف والشوق فيها وهي لمَّا تتجاوز‬
   ‫دونه‪ ،‬ويبدو أن القصص تعيد إنتاج ذلك النسق‬
 ‫ليس للترويج له وإنما لفضح تلك الثقافة وتعريتها‬
‫والتمرد عليها‪ ،‬من أجل اكتشاف ذات معافاة روحيًّا‬

               ‫وجسد ًّيا تتواصل بتوازن مع الآخر‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120