Page 110 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 110

‫العـدد ‪24‬‬                  ‫‪108‬‬

                                                     ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫من الخضوع للمنظومة الثقافية‬

‫البطريركية‪.‬‬

‫ليكون للصوت النسوي صدى‬

‫أنثو ًّيا كصيرورة فكرية لا كمتعة‬
‫جسدية‪ .‬وهو ما تباركه أديبات ما‬

‫بعد الحداثة‪ ،‬وقد تشير إليه عر ًضا‬

‫بعض أدبيات ما قبل الحداثة أي ًضا‬

‫متنبهة “إلى جدارة التفكر في الذات‬
‫بوصفها مشتر ًكا كونيًّا وأف ًقا يلم‬
‫شمل إنسانية منعتقة من أفق‬
                                     ‫كارل يونغ‬                    ‫فيرجينيا وولف‬  ‫فرانز فانون‬
‫اللاهوت وسائرة في طريق العلمنة‬

‫والخروج من السحر الذي سبحت‬
‫وجهة النظر البطريركية‪ ،‬لأنها تقلل من دور الذكر فيه ألف سنة”(‪.)8‬‬
                                                     ‫ولا تعطيه س ّموه الاستحواذي في السيادة والتفوق‪.‬‬
‫ولعل فرجينيا وولف السبّاقة في التدليل على العلاقة‬         ‫ولا يتأكد هذا الفهم النسوي المغاير إلا بإثبات‬
   ‫بين النساء وكتابة الأدب‪ ،‬وهي التي قاربت بين‬
                                                     ‫المرأة لأنثويتها‪ ،‬معبّرة عن تطلعاتها في صور‬
‫المرأة والرواية والمرآة‪ ،‬فالرواية فن نسائي‪ ،‬والنساء‬  ‫رمزية نموذجية‪ ،‬فيها المرأة ليست إيقونة لرموز‬

‫هن أول من كتبن الرواية‪ ،‬كجورج اليوت وشارلوت‬          ‫وطلاسم تخفي كينونتها وتجعلها تبدو في إطار‬

‫برونتي وجين أوستن(‪ ،)9‬لكن النساء وعبر قرون‬
‫مثالي ورومانسي وأسطوري تستحوذ عليه الأبوية؛ من الزمن كن كالمرآة التي عكست صورة الرجل‬
‫وإنما في صور ملموسة وواقعية للمرأة‪ ،‬طفلة وفتاة مضاعفة عن حجمها الطبيعي فظلت أمجادهن في‬
                                                     ‫وشابة وشيخة‪ ،‬ليكون كفاحها من أجل ذاتها هو‬
‫طي الغيب‪ ،‬وهذا ما استغلته الذكورية وحرصت‬
‫على إظهاره دو ًما كي تثبت دونية النساء‪ .‬وقد مثّلت‬    ‫تمثيلها المنطقي لحقوقها ومنها أمومتها التي فيها‬
‫فرجينيا وولف على الفحولية بنابليون وموسوليني‬           ‫وجودها الحقيقي‪ ،‬الذي يستعيد حل ًما غاب ًرا في‬
                                                                   ‫مسار تاريخي ضارب في الأبوية‪.‬‬
   ‫وغيرهما من الذين أدركوا انهم لا يتميزون ولا‬
                                                     ‫وهذه الصور الرمزية والواقعية للجسد المؤنث‬
‫يكبرون‪ ،‬وأنهم يتوقفون عند حجم معين لو لم تكن‬
                                                     ‫هو ما تحاول الذكورية تشويهه‪ ،‬واصفة المرأة‬
‫النساء أدنى وأقل‪.‬‬
‫المتحررة‪ ،‬بأنها كيان منقسم على نفسه‪ ،‬يعيش حالة على الرغم من أن علاقة الأنثوية بمركز العالم‬

‫والبعد المقدس للوجود أمر تقره الأديان على‬            ‫اللاتوازن والضعف‪ .‬والهدف من وراء ذلك أن‬

‫تنسى المرأة أن ضعفها ليس في طبيعتها‪ ،‬وإنما فيما أساس أن “كل إنسان متدين يقيم نفسه في آن‬

‫واحد في مركز العالم ونبع الحقيقة المطلقة نفسها‬       ‫يفرضه المجتمع عليها منذ ولادتها حتى وفاتها‪.‬‬

‫وبالقرب تما ًما من الفتحة التي تضمن لها الاتصال‬      ‫لا خلاف أن تكون الأنثوية واحدة من أشكال‬
 ‫بالسماوات”(‪ ،)10‬فإن الإقرار بمركزية الأنثوية ما‬     ‫التعبير النسوي التي ميدانها الكتابة الإبداعية‬

‫زال مجرد طروحات نظرية لم تجد لها موطئ قدم‬            ‫الشعرية والنثرية‪ .‬وهذه الأنثوية نفسها لها في‬

 ‫على أرض الواقع‪ ..‬عل ًما أن الميثولوجيا ليست هي‬      ‫الإبداع الروائي الذي تنتجه الكاتبة العربية تمثيلات‬
‫وحدها التي تثبت أن المرأة مقدسة بقداسة الأرض‬           ‫تعبر من خلالها عن صوتها‪ ،‬كذات مؤنثة ترفض‬

‫التي هي معادلها الموضوعي في الولادة والامومة‪،‬‬        ‫التلبس بالذكورة‪ ،‬متعالية على التبعية‪ ،‬ومتبرمة‬
   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115