Page 107 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 107
نون النسوة 1 0 5 الآداب الإنسانية ،قديمها وحديثها ،مرده إلى
الاستحواذ الذي مارسته الأبوية ،مستغلة تسامح
النظريات النسوية لا تنكر أن يكون الكاتب نسو ًّيا،
وذلك حين تحمل كتاباته نزعة حقيقية في تمثيل الألوهة الأمومية وتنازلها ،وهو ما كان سبب
مأساتها ،حتى استطاعت الأبوية مصادرة هيبتها
الصوت المؤنث وإعلائه( ،)5لكن سمة الأنثوية تظل وانتهاك سلطتها ،وعن ذلك يقول أناتول فرانس:
ملازمة الكاتبة ولا يمكن للرجل الكاتب أن يتمثلها “علمنا من أقدم الأزمنة أن آلهة النساء ليسوا من
الشدة في شيء ،بل إنهم متحلون بعفو غير متناه
إبداعيًّا ،ولهذا بإمكاننا الحديث عن كاتب نسوي
وشاعر نسوي ،بينما لا نتحدث عن كاتب أنثوي من خطيئات القلب والحواس”(.)3
أو شاعر أنثوي .بمعنى أن في الأنثوية استعادة بمرور العصور والدهور صارت المرأة كأنها
تاريخية لتناظرية المرأة /الرجل ،فمثلما أن مآل صنيعة الرجل وغدت الأنثوية قرينة الأفكار التي
الكتابة النسوية كان ذكور ًّيا في ظل الأبوية العتيدة؛ ُتشيد بالمرأة كجسد له حدس وعاطفة وليس
فكذلك سيكون مآل الكتابة الذكورية نسو ًّيا في ظل له عقل .وكل ذلك خشية من أن تستعيد دورها
الأنثوية الساعية إلى الهيمنة والمركزية. الأمومي الأصلي.
ولولا أن الأنثوية فعل عملي وليست مجرد فعل إن تساؤلات كثيرة يجدر طرحها حول الأنثوية
لفظي ،لما سعى النقد الذكوري إلى حصرها في من قبيل :متى ستكون للأنثوية القدرة على اختراق
إطارها الجنوسي ،مان ًعا بروزها كقيمة ثقافية، حصون الذكورية ،والإفادة من نقاط ضعفها؟ وهل
ناهيك عن أن النزوع الأنثوي عند المرأة الأديبة ترتهن الأنثوية بتحرر المرأة تحر ًرا كام ًل لكي
على المستويين الواقعي والخيالي ،أمر حقيقي لا تستعيد وجودها الحقيقي؟ وهل صحيح أن فاعلية
ادعائي ،وفيه المرأة عصية متمردة وليست مقهورة المؤنث ستتوكد فقط في أوقات تفكك المجتمعات؟
أو محنطة كونها تستبطن ولا تستظهر ،وهي تثق أ يكون تحررها وق ًفا على فكرة النقض لفرضية
فلا تتوهم ،وتسفر غير مذعنة للحجب الذكوري، تابعيتها للرجل؟ وكيف ينبغي أن تتعامل المرأة
واضعة أملها في النقد النسوي ،كي تناقض الصورة الكاتبة مع الجسد الانثوي أ تتركه ح ًّرا في غواياته،
التي رسمها لها النقد الفحولي. مستق ًل عنها في مركزيته أم تمسكه بقبضتها
من هنا تغدو مهمة النقد النسوي مهمة عويصة وتتسيد عليه؟ وبماذا ستتمشكل النزعة الأنثوية
وهو تستنبش أغوار الجسد كتابيًّا؟ هل ستعبّر عنه
المنال ،إذ لا يمكن بلوغها أو القيام بها إلا إذا بجرأة مخترقة بعنف سلطة الأبوية عبر كتابات لا
ص ّممت المرأة كاتب ًة وناقد ًة على مصافحة جسدها، نمطية أو ستظل قاصرة عن الاختراق والاعتراف
متورطة في تأييد السلطة الذكورية جا ّرة أذيال
مالكة مفاتيحه ومتكلمة عنه بخصوصية لغوية الخيبة؟ وما مشروع الكاتبات العربيات الذي فيه
وبسلطة مركزية ،متمكنة من إحكام قبضتها على تتمظهر خصوصيتهن ،وتتوكد هويتهن بلا نقص
الآخر .وعندذاك ستستوي الذات النسوية فاعلة
ولا اتباع؟
وواعية وشريكة بلا دونية ،وبثقة ليس فيها اهتم منظرو ما بعد الحداثة كثي ًرا بالبحث عن
استلحاق أو انسحاق .أما الفحولة فلن يكون أمامها حقيقة النسوية ونزعتها الأنثوية ،وتحدثوا عن
الهيمنة والتبعية والاستحواذ والمركزية والإعاقة
إلا مغادرة ازدواجيتها ما بين خطابها الثقافي والتحديق والتمثيل والتابع والمتبوع والجندر
البطريراكي الذي يتعاطى الحديث عن المرأة من والسبيورغ والهجانة والجنوسة وغيرها من
منظار دوني وبين خطابها الاحتفائي الذي يناصر التصورات الثقافية التي أسهمت في توكيد حقيقة
المرأة نسبيًّا ،وأحيا ًنا قليلة يرى لها بعض المركزية “أن الخلل لا يقع في جسد المرأة وإنما في المعاني
المسقطة ثقافيًّا على هذا الجسد”( ،)4مع أن بعض
في تطلعاتها التحررية.
هذا ما يسعى النقد النسوي إلى توكيده ،والتبشير
به ،فاض ًحا هذا المنظور ومغرب ًل صورته
الاحتفائية ،وكاش ًفا ما فيه من تحامل فحولي
ومعاداة ذكورية تريد إخراس الفعل الأنثوي
وإسكاته إن لم ترد تغييبه ،ممارسة نو ًعا من العنت