Page 121 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 121

‫للجسد ولطبيعته حضور خا ٌّص في‬                                      ‫المتوقعة‪ ،‬إذ جعله ضمن مناسك‬

    ‫العقل العرب ِّي‪ ،‬ثم بعد ذلك في قراره‬                                  ‫التفسح في الألفاظ والترويح عن‬
    ‫في باطن تراثه المعرف ِّي‪ ،‬ليتخذ منه‬                                   ‫النفس؛ فقد جعله بحثًا ُيعمل به‬
‫الشعرا ُء و َكَت َب ُة النثِر ماد ًة لكتبهم؛ ومن‬                          ‫في الترفيه عن الرو ِح‪ ،‬والبعد عن‬
‫َث َّم‪ ،‬فإ َّن الجس َد وهوامشه يكشفا ِن دون‬                               ‫السآمة‪ .‬بل وصل به الأمر إلى‬
   ‫َل ْب ٍس عن المخيال الشعب ِّي في العقل‬
      ‫الجمع ِّي العرب ِّي‪ ،‬والذي قد َقَّر ْت في‬                           ‫ح ِّد أ ْن تبرأ مما يمكن أ ْن يلحقه‬
    ‫داخله صور ٌة ذات انعكاسات متباينة؛‬                                    ‫من ذكر الزناة واللاطة‪ ،‬وأ َّنه ما‬

     ‫فالجسد يستتبعه الجن ُس‪ ،‬ويتداخل‬                                      ‫كتب ذلك الكتاب إلا لاستناده إلى‬
    ‫معهما ثال ٌث ألا وهو العشق أو ال ُح ُّب‬
                                                                          ‫الآثار المروية التي استهل بها‬

                                                                                                   ‫كتابه هذا‪.‬‬
                                                                          ‫ول َما سبق تفسيره‪ ،‬فإ َّن الجاحظ‬
                                                                          ‫ربما ذكر طائفة من القصص‬

                                                                                ‫التي تشتمل المناكحات‪،‬‬

                                                                          ‫وأوصافها‪ ،‬وأوضاعها؛ تحت‬
                                                                          ‫عناوين‪ ،‬مثل‪ :‬المُ َل ِح‪ ،‬والنوادر؛‬
                                                                          ‫وكأ َّن ذكره إياها ليس لقص ٍد‬
                                                                          ‫علم ٍّي وإ َّنما دف ًعا للملل! وإ ْن كان‬
   ‫إلى المؤسسة التقليدية حينئذ‪.‬‬       ‫عن ُت َه ِم الإباحية المستشرية في‬      ‫هذا المسلك لا ينفي ولا ينافي‬
  ‫فإ َّن أسلوب المتن وشرحه‪ ،‬يعد‬         ‫تلك الأعصار؛ ولذا‪ ،‬فقد و َّط َن‬
‫منه ًجا قاد ًرا ع َل معالجة القضايا‬   ‫نفسه ع َل اتخاذ تلك الإجراءات‬       ‫كون أ َّن الجاحظ واحد ومتقدم‬
                                     ‫المعرفية‪ ،‬التي توحي بأ َّن المسائل‬    ‫في قضايا الجنس‪ ،‬خصو ًصا‬
    ‫المتفجرة دون أدنى َع ْت ٍب من‬    ‫المطروحة ما هي إلا بح ٌث فقه ٌّي‪،‬‬    ‫في تلك المدة التي تظاهرت فيها‬
‫الرقابة الثقافية السلطانية القائمة‬   ‫لا يمكن محاكمته إلا انطلا ًقا من‬        ‫الكتابا ُت ومناه ُج التأليف ع َل‬
‫آنذاك‪.‬‬                                 ‫قواع َد رجحان الأدلة إ ْن ضع ًفا‬   ‫اتباع المرويات‪ ،‬والوقوف عند ح ِّد‬
                                                                                ‫النقل‪ ،‬لا المقارنة والتفتيش‪.‬‬
                                                           ‫وإ ْن قو ًة‪.‬‬
                                               ‫ويعد (نواضر الأيك)‬         ‫وأ َّما السيوط ُّي فقد كان محر ًرا‬
                                                 ‫دلي ًل وضيح الدلالة‬      ‫وثيق الصلة بمرجعيات الفقهاء‬
                                                                                ‫وتأويلاتهم‪ ،‬أخذ ع َل عاتقه‬
                                                       ‫لما ذهبنا إليه‪،‬‬
                                                   ‫فالكتا ُب في أصلة‬      ‫التفرد فيما يكتبه وفيما يؤسس‬
                                                   ‫شر ٌح لمت ٍن‪ ،‬اسمه‬
                                                  ‫(الوشاح في فوائد‬              ‫له من القضايا التي امتاز به‬
                                                  ‫النكاح) أو هو ذيل‬                         ‫وع َل‬
                                              ‫عليه كما ذكر مؤلفه في‬       ‫أبي‬   ‫خلاف‬        ‫نجده‬   ‫تاريخه العلم ُّي؛‬
                                            ‫تقدمة الكتاب؛ ولا يخفى‬        ‫ع َل‬  ‫ُمد ْي ًما‬         ‫عثمان الجاحظ؛‬
                                          ‫أ َّن طريقة الشروح والمتون‬
                                            ‫طريقة وأسلو ًبا متداول ْي ِن‬  ‫النقل‪ ،‬ليس في ديباجات كتبه وفي‬
                                           ‫بين علماء العصر الوسيط‬
                                              ‫وحتى زمن السيوط ِّي‪،‬‬        ‫تعليلاته فقط‪ ،‬وإ َّنما داخل هياكل‬
                                                  ‫وهي طريقة تنتمي‬
                                                                                ‫مؤلفاته أي ًضا‪ .‬إ َّن أبا الفضل‬
                                                                           ‫السيوط َّي قد استراح من َك َم ِد‬
                                                                          ‫الكتابة في الجنسانية‪ ،‬من خلال‬
                                                                          ‫اعتماده مناه َج الفقها ِء والروا ِة‪،‬‬
                                                                                ‫وهذا لدفع أبحاثه في الجنس‬

                                                                          ‫بعي ًدا عن الابتذال‪ ،‬وكذلك بعي ًدا‬

                                                  ‫الجاحظ‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126