Page 209 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 209

‫في كل محطات العمر أذهب‬
  ‫نحو التجديد وأرفض أن أتوقف‬

     ‫عند نمط معين من الكتابة‪.‬‬
     ‫أفعل ذلك دائ ًما إذ أبتعد عن‬
      ‫كل مجموعة أنشرها وأعتبر‬
    ‫أنها ليست لي‪ ،‬وكأنها صارت‬
  ‫ميتة وعل َّي الابتعاد عنها وعدم‬
‫تكرارها‪ .‬لذا كتبت في مجموعتي‬
   ‫"موتى يجرون السماء"‪" :‬ليست‬
‫ميتة هذه القصيدة"‪ ،‬ما يعني أن‬

                        ‫سواها ميت‬

‫لماذا لم تستكمل مشوارك‬                     ‫وأصبح بالنسبة لي الموت‬                 ‫للموت حضور طاغ‬
‫القصصي رغم ما تحمله‬                      ‫الفيزيائي أم ًرا عاد ًّيا بار ًدا لا‬    ‫في قصائدك وعناوين‬
  ‫أشعارك ومقالاتك من‬                  ‫يشكل الصدمة المتوقعة‪ ،‬وحتى‬               ‫دواوينك‪ ..‬كيف تصالحت‬
                                        ‫هذه اللحظة ولكثرة ما عرفت‬               ‫مع مفهومه إلى هذا الحد‬
   ‫حس سردي بارز؟‬                         ‫من أصدقاء غادروا الحياة‪..‬‬               ‫وأنت الذي فجعت به‬
                                       ‫صار الموت بالنسبة لي مألو ًفا‪،‬‬           ‫مبك ًرا منذ الطفولة بعد‬
  ‫هذا الكتاب طبعه المرحوم إلياس‬      ‫لم أتصالح معه بشكل كامل لكن‬                 ‫وفاة صديقك صالح؟‬
   ‫فركوح وكتب على غلافه كلا ًما‬      ‫فكرة الموت شغلتني كثي ًرا‪ ،‬ليس‬
                                    ‫فقط في مجموعتي “موتى يجرون‬                 ‫يبدو أني تجاوزت الموت في بعض‬
     ‫جمي ًل‪ ..‬وعندي كتابان أي ًضا‬        ‫السماء”‪ ،‬ولكن في قصائدي‬                    ‫المراحل أو ذهبت لما هو أبعد‬
  ‫فيهما أدب ساخر‪ ،‬لكني ابتعدت‬         ‫بعد ذلك‪ .‬ولا أدري لماذا يحضر‬
‫عن الكتابة الساخرة لأني وجدتها‬       ‫الموت في القصيدة حتى في بعض‬                ‫منه‪ .‬لم يكن فقط صديقي صالح‬
                                      ‫قصائد الحب أو الإيروتيك التي‬                ‫الذي عرفت أنه مات حين طال‬
    ‫لا تمثلني‪ ،‬وربما تأخذ بي إلى‬    ‫أكتبها‪ ،‬أشعر أن الموت ليس بعي ًدا‬              ‫غيابه وتكرر سؤالي عنه‪ ،‬فقد‬
    ‫مستوى شعبي مسطح‪ ،‬بينما‬              ‫عن الحياة‪ ،‬ربما لذلك أسباب‬
 ‫الشعر هو ما أفكر فيه وأحلم به؛‬        ‫سيكولوجية أخرى لم أتوصل‬                  ‫رأيت جنازات كثيرة في طفولتي؛‬
‫الشعر يث ِّور اللغة أكثر لذا تمسكت‬                                               ‫كنت أدرك في لا وعيي أن الموت‬
   ‫بالشعر لما به من فلسفة وعمق‬                               ‫إليها‪.‬‬               ‫بالنسبة للفلسطيني أمر حتمي‪،‬‬
 ‫وصراع وجودي يمكن أن يكون‬
    ‫قريبًا من روحي الداخلية عن‬      ‫“خباص الضايع” تجربة‬                             ‫صار الموت بالنسبة لي موت‬
                                      ‫قصصية تحمل روح‬                                ‫مكاني؛ انتفاء وجودي‪ ،‬سلب‬
            ‫شخصيتي الظاهرة‪.‬‬          ‫السخرية‪ ،‬سجلتها في‬                        ‫حريتي‪ ،‬عدم سيادتي؛ شعرت أنها‬
                                                                                   ‫جمي ًعا أشكال مختلفة للموت‪.‬‬
  ‫“لحمنا الأرض‪ ..‬وإن‬                ‫بداية رحلتك الإبداعية‪..‬‬                        ‫من هذا المنطلق تجاوزت فكرة‬
‫الأرض أوسع من رصاص‬                                                             ‫الموت الفيزيائي إلى الموت المعنوي‪،‬‬
‫ومصانع”‪ ..‬بدأت رحلتك‬
   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214