Page 210 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 210

‫العـدد ‪24‬‬                         ‫‪208‬‬

                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

   ‫أن أجمعها في مجموعة شعرية‬          ‫ربما لاحظ ِت اختلاف قصيدتي من‬      ‫الشعرية بديوان “شغب”‬
 ‫حتى عام ‪ 1998‬حينما طلب مني‬            ‫البداية ومرورها بمراحل مختلفة‪،‬‬     ‫الذي كان بمثابة مؤشر‬
                                        ‫لم أعد أخضع لمعايير جماهيرية‪،‬‬
      ‫صديقي الشاعر الراحل عبد‬                                                ‫لطبيعة مشروعك‬
    ‫الله رضوان ‪-‬مدير الثقافة في‬          ‫وإلا لكنت واصلت كتابة السرد‬        ‫الشعري‪ ،‬تجلت فيه‬
  ‫أمانة عمان الكبرى‪ -‬أن أقدم له‬            ‫الساخر‪ .‬أنا مؤمن أن المتلقي‬   ‫روحك المتمردة الغاضبة‬
   ‫مجموعة شعرية تصلح للنشر‪.‬‬               ‫شريك في الصناعة كمتل ٍق وا ٍع‬   ‫وانبلجت عن تساؤلات‬
    ‫قدمت له مجموعتي “شجري‬                                                 ‫وجودية عميقة لا تترك‬
‫أعلى” لكنه رفضها وطلب القصائد‬             ‫أعرفه‪ ،‬لكني لا أخضع للمنطق‬       ‫القاريء يهنأ بهدوئه‬
 ‫التي نشرت في الصحف‪ ،‬فجمعت‬             ‫الجماهيري أو أنتظر التصفيق أو‬      ‫وانما تثير داخله مزي ًدا‬
 ‫بعض تلك النصوص وسلمتها له‬                                               ‫من التساؤلات‪ .‬هل تعتبر‬
  ‫وظهرت على هذا النحو ولم أفكر‬            ‫أعتمد على ذكر اسم فلسطين‪..‬‬     ‫القاريء شري ًكا في العملية‬
                                         ‫هذه الشعارات والمباشرة الفجة‬
               ‫أن أكرر التجربة‪.‬‬                                                 ‫الإبداعية؟‬
  ‫في كل محطات العمر أذهب نحو‬               ‫أنفر منها كثي ًرا واستغرب أن‬
  ‫التجديد وأرفض أن أتوقف عند‬                ‫ذائقة الناس لا تزال بسيطة‬      ‫القاريء ليس شري ًكا فقط وإنما‬
  ‫نمط معين من الكتابة‪ .‬أفعل ذلك‬           ‫وتقليدية‪ ،‬حينما ألاحظ تداول‬    ‫هو صانع العملية الإبداعية؛ بدون‬
   ‫دائ ًما إذ أبتعد عن كل مجموعة‬       ‫بعض الفيديوهات لقصائد ركيكة‬        ‫المتلقي ما قيمة ما أكتب؟ صحيح‬
                                          ‫تتحدث عن شعارات سياسية‪.‬‬
    ‫أنشرها وأعتبر أنها ليست لي‪،‬‬           ‫أنا أحترم المتلقي الواعي الذي‬     ‫أني لا أكتب لاسترضاء القارئ‬
‫وكأنها صارت ميتة وعليَّ الابتعاد‬                                          ‫مباشرة لكن لدي قارئي المتخيل‪،‬‬
                                                             ‫يشبهني‪.‬‬
    ‫عنها وعدم تكرارها‪ .‬لذا كتبت‬                                              ‫المتلقي الذي يسهم في صناعة‬
    ‫في مجموعتي “موتى يجرون‬            ‫“تزدادين سماء وبساتين”‬             ‫النص‪ .‬فالتفاعل لا يعني أن يصعد‬
                                         ‫‪ ،1998‬عنوان مفارق‬
      ‫السماء”‪“ :‬ليست ميتة هذه‬                                               ‫الشاعر على منبر ويلقي شعره‬
    ‫القصيدة”‪ ،‬ما يعني أن سواها‬        ‫لديوان يمثل نسي ًجا وحده‬                       ‫ليصفق له الجمهور‪.‬‬
   ‫ميت‪ ..‬أعتبر أن القصيدة بعدما‬         ‫في مكتبتك الشعرية‪..‬‬
                                                                         ‫أرى أن المتلقي صانع هذه الدهشة‬
       ‫أكتبها لم تعد لي‪ ،‬تذهب إلى‬     ‫اقتربت في بعض نصوصه‬                  ‫الشعرية صانع القصيدة بشكل‬
    ‫القارئ‪ ،‬إلى الكتاب‪ ،‬إلى المكتبة‪،‬‬    ‫من “الهايكو” الياباني‬                ‫أو بآخر‪ ،‬وكما يقال إن بعض‬
‫تخرج مني؛ أتخلص منها وتتحرك‬                                                ‫القصائد معلقة في السماء إلى أن‬
                                      ‫واستطعت كتابة نصوص‬                     ‫تصادفها روح الشاعر؛ فيأتي‬
             ‫روحي باتجاه آخر‪.‬‬          ‫شديدة التكثيف والقصر‬
                                                                         ‫الشعر على لسانه‪ ،‬لكن أي ًضا هناك‬
‫لم يسقط يوسف في ال ُج ّب‬                 ‫على غناها بالصور‬                   ‫عوامل كثيرة تسهم في العملية‬
           ‫لم يأكله الذئب‬             ‫الجمالية‪ .‬كيف جاءت تلك‬                  ‫الإبداعية؛ الطبيعة والظروف‬
                                      ‫التجربة ولماذا لم تكررها؟‬            ‫والمتلقي كلها تشارك في صناعة‬
‫ولم تنقص من خزنة مصر‬                                                          ‫النص‪ .‬انا ضد فكرة الشاعر‬
                    ‫الغلة‬              ‫فع ًل كانت تلك المجموعة مستقلة‬
                                        ‫عن تجربتي‪ ،‬وجاءت دون هدف‬          ‫الواحد الأحد الذي يلقي قصائده‬
                 ‫لم تكذب‬                 ‫أن أكتب مجموعة شعرية‪ ،‬كنت‬       ‫على مجموعة من الجماجم‪ ،‬قناعتي‬
                ‫تلك الملكة‬             ‫في علاقة حب مع فتاة وأكتب لها‬
    ‫وزليخة لم تر يوسف‬                 ‫بعض الكلمات وأرسلها إليها‪ ،‬وفي‬          ‫أن الأدب ليس صناعة فردية‬
                                        ‫أحيان أخرى كنت أنشر بعضها‬         ‫لكن هذا لا يعني الخضوع لمنطق‬
                    ‫أص ًل‬              ‫في بعض الصحف‪ ،‬ولم يخطر لي‬         ‫الجمهور والذهاب للشعر المباشر‪.‬‬
          ‫من يوسف هذا؟‬
   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215