Page 130 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 130

‫العـدد ‪23‬‬                              ‫‪128‬‬

                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬                       ‫في منتصف الليل‪ ،‬حضرت‬
                                                                ‫لورا ذات التسعة عشر عا ًما‬
‫حتى اليوم تلك الأيام اللعينة‬       ‫التي قتلت شاغلي المبنى‪،‬‬       ‫ملفوفة في الحرير الأبيض‪،‬‬
     ‫لأعياد رأس السنة لعام‬         ‫أتلفت هيكل المبنى بشكل‬       ‫وسمحت لي بممارسة الحب‬
    ‫‪ 1938‬عندما كان شارع‬          ‫لا يمكن إصلاحه»‪ .‬تبادلنا‬
                                 ‫بعض الكلمات وأعتقد أنني‬            ‫معها كما لو كانت المرة‬
 ‫مونتانير يرسم منحد ًرا من‬                                      ‫الأخيرة‪ .‬مارسته معها حتى‬
    ‫قطارات الترام والقصور‬           ‫دفعته إلى أسفل سلالم‬
                                  ‫الدرج‪ .‬هذه المرة القاضي‬           ‫الفجر‪ ،‬مشب ًعا نفسي في‬
‫الفخمة‪ .‬كنت بالكاد في الثالثة‬     ‫أجهز علي بارتياح‪ .‬احتفظ‬         ‫جسدها للتعويض عن كل‬
      ‫عشر من عمري حينها‬           ‫زملائي القدامى بسريري‬         ‫ما سرقته مني الحياة‪ .‬وبعد‬
     ‫وأجني بضع سنتات في‬             ‫«أنت دائ ًما تعود» قالوا‪.‬‬      ‫ذلك‪ ،‬كنت أحلم بالأسود‬
                               ‫هيرنان العامل بالمكتبة‪ ،‬وجد‬
 ‫الأسبوع كصبي المراسلات‬          ‫لي مقتطف الصحيفة بخبر‬               ‫والأبيض‪ ،‬مثل الكلاب‬
    ‫في محل رهونات بشارع‬        ‫التفجير‪ .‬في الصورة تصطف‬            ‫والملعونين‪ .‬حتى فضلات‬
                ‫إليزابيتس‪.‬‬        ‫أجساد الموتى في صناديق‬       ‫الحياة أمثالي ُيمنحوا بصي ًصا‬
                                  ‫من الصنوبر‪ ،‬مشوهة من‬           ‫من السعادة في هذا العالم‪.‬‬
‫صاحب المتجر السيد أودون‬        ‫الشظايا ولكن يمكن التعرف‬          ‫كان ذلك الصيف هو عالمي‬
      ‫يوفريو‪ ،‬مائة وخمسة‬        ‫عليها‪ .‬كفن من الدم يفترش‬         ‫وملكي‪ .‬عندما وصل هؤلاء‬
                                 ‫فوق الحصى‪ .‬ترتدي لورا‬             ‫الأشخاص من البلدية في‬
 ‫عشر كيلوجرا ًما من الدناءة‬     ‫الأبيض ويداها على صدرها‬            ‫أواخر أغسطس‪ ،‬اعتقدت‬
 ‫والشك‪ ،‬يدير متجر الأجهزة‬        ‫المفتوح‪ .‬مر عامان بالفعل‪،‬‬     ‫أنهم شرطة‪ .‬أخبرني مهندس‬
 ‫الخاص به مشتكيًا حتى من‬          ‫ولكن في السجن تحيى أو‬           ‫الإزالة أنه لا يعترض على‬
‫الهواء الذي اتنفسه أنا اليتيم‬    ‫تموت على الذكريات‪ .‬يعتقد‬           ‫الأشخاص واضعي اليد‬
                                 ‫حراس السجن أنهم أذكياء‬          ‫شاغلي المبنى‪ ،‬ولكن لأسفه‬
    ‫القذر‪ ،‬أحد آلاف الأطفال‬       ‫ج ًّدا‪ ،‬ولكنها تعرف خداع‬        ‫الشديد سيفجرون المبنى‪.‬‬
      ‫الأيتام الذين بصقتهم‬        ‫الضوابط الأمنية‪ .‬توقظني‬          ‫قلت‪« :‬حت ًما هناك خطأ»؛‬
                                  ‫شفتاها في منتصف الليل‪.‬‬          ‫جميع فصول حياتي تبدأ‬
 ‫الحرب‪ ،‬ولم تذكر أسماءهم‬            ‫توصل لي تحيات السيد‬         ‫بهذه العبارة‪ .‬ركضت هاب ًطا‬
                       ‫قط‪.‬‬     ‫فلوريان والآخرين «ستحبني‬         ‫الدرج إلى مكتب مدير اتحاد‬
                               ‫دائ ًما‪ ،‬أليس كذلك؟» تسألني‬         ‫المُلاك باحثًا عن لورا‪ .‬كل‬
 ‫‪ -‬يا فتى‪ ،‬بالله عليك‪ ،‬أطفئ‬                                     ‫ما وجدت هناك كان شماعة‬
 ‫هذا المصباح‪ ،‬ليس هذا وقت‬              ‫لورا وأنا أقول نعم‪.‬‬         ‫ونصف شبر من الغبار‪.‬‬

      ‫إهدار أي شيء‪ .‬أمسح‬                ‫أليثيا‪ ،‬فج ًرا‬               ‫صعدت إلى بيت السيد‬
   ‫الأرض على ضوء شمعة‪،‬‬                                          ‫فلوريان‪ :‬خمسون دمية بلا‬
    ‫فهذا يحفز شبكية العين‪.‬‬          ‫تلاشى من الوجود ذلك‬
    ‫هكذا كانت تمضي أيامنا‬          ‫المنزل حيث رأيتها للمرة‬         ‫عيون متعفنة في الظلام‪.‬‬
    ‫بين أخبار متناقضة عن‬           ‫الأخيرة‪ .‬ترتفع في مكانه‬     ‫تجولت في المبنى بحثًا عن أي‬
  ‫الجبهة الوطنية التي كانت‬                                      ‫شخص من الجيران‪ .‬ممرات‬
 ‫تتقدم نحو مدينة برشلونة؛‬            ‫الآن إحدى تلك المباني‬
  ‫وشائعات عن تبادل إطلاق‬         ‫التي تخطف الأنظار وتمهد‬          ‫من الصمت متراكمة تحت‬
 ‫نار وجرائم قتل في شوارع‬         ‫السماء بظلالها‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬         ‫الأنقاض‪ .‬قال لي المهندس‬
                                ‫كلما مررت من هناك أتذكر‬           ‫«يا فتى‪ ،‬هذا العقار مغلق‬
     ‫حي الرابال؛ وصفارات‬
 ‫الإنذار المحذرة من القصف‬                                            ‫منذ عام ‪ .1939‬القنبلة‬
  ‫الجوي‪ .‬رأيتها في أحد أيام‬
  ‫شهر ديسمبر من عام ‪38‬‬
 ‫حيث كانت الشوارع ملطخة‬

            ‫بالثلج والرماد‪.‬‬
 ‫كانت ترتدي ملابس بيضاء‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135