Page 132 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 132

‫العـدد ‪23‬‬                             ‫‪130‬‬

                                ‫نوفمبر ‪٢٠٢٠‬‬                     ‫وددت الركض ولكن الرياح‬
                                                               ‫المثلجة ثبطت عزيمتي‪ .‬نظرت‬
   ‫نائمة‪ ،‬نائمة إلى الأبد‪ ،‬كي‬   ‫أبيض تتداعى خياطته وتبيع‬
   ‫أترك العقد مرة أخرى على‬         ‫مجوهرات بثمن بخس من‬           ‫إل َّي الفتاة بابتسامة صغيرة‬
‫رف ال َمو ِقد وأتمكن من الهرب‬      ‫أجل البقاء على قيد الحياة‪.‬‬  ‫ومدت لي يدها‪ ،‬فأدركت أنها‬
                                   ‫تركت الفتاة قطعة القطيفة‬
    ‫دون أن أضطر إلى تذكر‬            ‫السوداء على رف الموقد‪.‬‬                 ‫ظنتني متسو ًل‪.‬‬
  ‫نظرتها أو صوتها الدافئ‪..‬‬         ‫وفي كل مرة كانت تنحني‬                       ‫تعال‪ ،‬قالت‪.‬‬
  ‫اللمسة النقية الوحيدة التي‬          ‫فيها لإيقاد النار‪ ،‬كنت‬
                                  ‫استرق النظر متخي ًل العقد‬          ‫كان الظلام يحل عندما‬
          ‫عرفتها في حياتي‪.‬‬          ‫الذي بداخل القماش‪ .‬بعد‬       ‫تبعتها عبر المنزل الكبير في‬
   ‫كان الباب مفتو ًحا وضوء‬        ‫بضع ساعات سمعنا دقات‬          ‫الظلام الحالك‪ ،‬بينما تمسح‬
   ‫يتلألأ عبر شقوق السقف‪.‬‬                                      ‫هالة باهتة الخطوط المحيطة‪..‬‬
‫وجدتها مستلقية على الأرض‬        ‫ناقوس منتصف الليل ونحن‬            ‫كتب متناثرة وستائر رثة‬
                                  ‫متعانقان بجانب النيران في‬       ‫وآثار قطع أثاث مكسورة‬
     ‫وما زالت تمسك الكتاب‬        ‫صمت‪ ،‬وخيّل إل َّي أن هذه قد‬
 ‫بيديها وشفتيها زرقاء بفعل‬      ‫تكون طريقة احتضان أمي لي‬            ‫ولوحات مشقوقة مائلة‬
‫الصقيع ونظرتها مفتوحة في‬          ‫إذا استطعت تذكرها‪ .‬عندما‬          ‫وبقع داكنة تتسرب من‬
‫ذلك الوجه الأبيض الجليدي‪،‬‬        ‫بدأت تخبؤ النيران أردت أن‬      ‫الجدران مثل اختراق ثقوب‬
                                ‫أرمي كتا ًبا فوق الجمر‪ ،‬ولكن‬     ‫الرصاص‪ .‬وصلنا إلى قاعة‬
     ‫ودمعة حمراء تقف على‬         ‫أليثيا انتزعته مني وبدأت في‬    ‫كبيرة بها ضريح من صور‬
   ‫خدها‪ ،‬والرياح التي كانت‬       ‫القراءة بصوت عا ٍل من بين‬          ‫قديمة تفوح منها رائحة‬
‫تهب من تلك النافذة العريضة‬      ‫صفحاته حتى غلبنا النعاس‪.‬‬            ‫الغياب‪ .‬ركعت الفتاة في‬
                                                               ‫زاوية بجانب الموقد وأشعلت‬
     ‫المفتوحة على مصراعيها‬          ‫غادرت قبل الفجر بقليل‪.‬‬     ‫النار بمساعدة أوراق الجرائد‬
 ‫تدفنها في غبار ثلجي‪ .‬تركت‬            ‫فصلت نفسي من بين‬           ‫وبقايا كرسي‪ .‬اقترب ُت من‬
‫العقد على صدرها وهربت إلى‬                                           ‫لهيب النار وقبِل ُت كوب‬
  ‫الشارع لاختفي بين أسوار‬          ‫ذراعيها راك ًضا في الظلام‬     ‫النبيذ الدافئ الذي ناولتني‬
                                       ‫نحو السياج الحديدي‬       ‫إياه‪َ .‬ج َلست راكعة بجواري‬
   ‫المدينة وأختبئ في صمتها‬                                      ‫ونظرتها هائمه بين النيران‪.‬‬
   ‫متجنبًا انعكاسي في نوافذ‬     ‫والعقد في يدي وقلبي ينبض‬       ‫قالت لي أن اسمها أليثيا‪ .‬تبلغ‬
  ‫العرض خو ًفا من مشاهدة‬           ‫بغضب‪ .‬أمضيت الساعات‬           ‫من العمر سبعة عشر عا ًما‬
                                   ‫الأولى من يوم عيد الميلاد‬       ‫ولكن تخونها تلك النظرة‬
             ‫شخص غريب‪.‬‬            ‫هذا بصحبة ألفي دورو من‬        ‫القاسية التي تبدو بلا نهاية‬
   ‫بعد فترة وجيزة‪ ،‬صمتت‬            ‫اللؤلؤ والياقوت في جيبي‪،‬‬     ‫مثل أولئك المسنين الذين لم‬
 ‫أجراس عيد الميلاد وسمعت‬                                        ‫يعد لهم سوي أيام معدودة‬
 ‫صفارات الإنذار مرة أخرى‬         ‫لاعنًا تلك الشوارع المغمورة‬      ‫في الحياة‪ ،‬وعندما سأل ُتها‬
   ‫وانتشر سرب من الملائكة‬        ‫بالثلج والزخم وأولئك الذين‬    ‫لمن كانت هذه الصور وما إذا‬
‫السوداء فوق سماء برشلونة‬                                        ‫كانت لعائلتها‪ ،‬لم تجب بأي‬
 ‫القرمزية‪ ،‬مسق ًطا أعمدة من‬           ‫هجروني‪ ،‬حتى اخترق‬
‫القنابل التي لن يمكن رؤيتها‬          ‫رمحا من ضوء الشمس‬                              ‫شيء‪.‬‬
                                  ‫الميتة السحب‪ .‬عندها لملم ُت‬       ‫سألت نفسي‪ :‬منذ متى‬
         ‫تلامس الأرض أبدًا‬          ‫خطواتي إلى المنزل الكبير‬   ‫تعيش هناك بمفردها مختبئة‬
                                    ‫أ ُجر العقد الذي كان يزن‬   ‫في ذلك المنزل الكبير بفستان‬
 ‫‪« -1‬دورو» هو الطريقة العامية‬        ‫بالفعل مثل لوح حجري‬
                                    ‫وأشعر به يخنقني‪ .‬كنت‬
  ‫والاسم غير الرسمي لعملة ‪5‬‬     ‫أتمني فقط أن أجدها ما زالت‬

    ‫بيسيتا الإسبانية التي كانت‬

  ‫مستعملة قبل انضمام إسبانيا‬

         ‫إلى الاتحاد الأوروبي‪.‬‬
   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137